الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أريد دليلا من القرءان أو السنة على أن باب التوبة لا يغلق أبدا، ويكون حديثا صحيحا.
ولي سؤال آخر: كل الأحاديث المتعلقة بباب التوبة رواها صفوان بن عسال، فهل هذا يعنى أن كل الأحاديث المذكورة لم يقل منها رسول الله إلا حديثا واحدا؟
فأنا رأيت كل الأحاديث، ووجدتها كلها حسن، فكيف يكون أسانيد الأحاديث كلها حسن، ورسول الله لم يقل إلا صيغة واحدة؟
وأرجو أن تذكروا لي أصح شيء في هذه الأحاديث.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن باب التوبة يغلق في حق كل أحد عند بلوغ روحه الحلقوم، كما في حديث عبد الله بن عمر عند الترمذي وغيره: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.

وأما في حق الدنيا؛ فباب التوبة مفتوح لا يغلق أبدا إلى أن تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة، وحينئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا.

وقد دل على هذا حديث صفوان بن عسال وغيره من الأحاديث الصحيحة، قال ابن حجر: قَالَ ابن عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ مَا حَاصِلُهُ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ، وَكَذَلِكَ الْعَاصِي لَا تَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ، وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ صَالِحًا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ كَانَ مُؤْمِنًا لَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ بَعْدَ طُلُوعِهَا مِنَ الْمُغْرِبِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْمَعْنَى لَا تَنْفَعُ تَوْبَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِ كُلِّ أَحَدٍ بِالْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ ابْتِدَاءِ قِيَامِ السَّاعَةِ بِتَغَيُّرِ الْعَالِمِ الْعَلَوِيِّ، فَإِذَا شُوهِدَ ذَلِكَ حَصَلَ الْإِيمَانُ الضَّرُورِيُّ بِالْمُعَايَنَةِ، وَارْتَفَعَ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ، فَهُوَ كَالْإِيمَانِ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ، وَهُوَ لَا يَنْفَعُ، فَالْمُشَاهَدَةُ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ مِثْلُهُ. انتهى

وقال أيضا بعد ذكر جملة من الآثار بهذا الشأن: فَهَذِهِ آثَارٌ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ مِنَ الْمَغْرِبِ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُفْتَحْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الطُّلُوعِ، بَلْ يَمْتَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوَّلُ الْإِنْذَارِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ. انتهى.

وقد دلت على هذا المعنى أحاديث صحيحة سوى حديث صفوان بن عسال -رضي الله عنه-، ففي صحيح مسلم من حديث أبي موسى -رضي الله عنه: إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها.

وروى مسلم أيضا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه.

وفي المسند عَنِ ابْنِ السَّعْدِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا دَامَ الْعَدُوُّ يُقَاتَلُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ، وَالْأُخْرَى أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ. وَلا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتِ التَّوْبَةُ، وَلا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ المَغْرِبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ، وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ. وهذا الحديث حسن إسناده الأرنؤوط.

فهذا بعض ما ورد في التوبة من الأحاديث الصحيحة سوى حديث صفوان بن عسال -رضي الله عنه- ومنه ما هو صحيح كما رأيت، ومنه ما هو حسن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني