الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلة في التفريق بين الظاهر والخفي من زينة المرأة

السؤال

ما معنى قول بعض المفسرين في تفسيرهم لقوله تعالى:(ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها): "إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره، والأصل فيه الظهور". فكيف يعلقون ما يجوز ظهوره من جسد المرأة بما جرت العادة على ظهوره؛ رغم أنهم يقولون إن المستثنى هو الوجه والكفان!
أليس هذا تناقضا في التفسير؟
ثم إن قولهم:"ما جرت العادة على ظهوره" يتنافى مع وجوب الحجاب؛ لأن العادة في الملابس والستر تختلف باختلاف الزمان والمكان.
فأتمنى لو تزيلون هذا الإشكال.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذه العبارة جاءت في تفسير ما أباحت الآية إظهاره من زينة النساء، وهو المستثنى في قوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور: 31].

وهذه عبارة الزمخشري في الكشاف: قوله {إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها} يعني إلا ما ‌جرت ‌العادة ‌والجبلة ‌على ‌ظهوره والأصل فيه الظهور. اهـ.

فهو لم يعلق الأمر بالعادة المجردة، بل علقه مع ذلك بالجبلة، وكون الأصل في العضو الظهور. وهذا لا يكون إلا في الوجه والكفين والقدمين. والفرق بين حكم الزينة الظاهرة، وحكم الزينة الخفية واضح في الآية.

قال الزمخشري: الزينة ما تزينت به المرأة من حليّ، أو كحل، أو خضاب، فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب. فلا بأس بإبدائه للأجانب، وما خفي منها كالسوار، والخلخال، والدملج، والقلادة، والإكليل، والوشاح، والقرط؛ فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين. اهـ.

وقد ذكر الزمخشري نفسه العلة في التفريق بين الظاهر والخفي من الزينة، فقال: إن قلت: لم سومح مطلقا في الزينة الظاهرة؟ قلت: لأن سترها فيه حرج، فإن المرأة لا تجد بدّا من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها، خصوصا في الشهادة، والمحاكمة، والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات، وظهور قدميها، وخاصة الفقيرات منهنّ. اهـ.

والخلاصة أن العبارة التي يسأل عنها السائل لا تنطبق إلا على الوجه، والكفين، والقدمين، أما الوجه والكفان؛ فالخلاف فيهما مشهور.

وأما القدمان فهما ليستا مما يجب ستره عند الزمخشري، كما سبق في قوله: وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها، وخاصة الفقيرات منهنّ. اهـ.

وهذا أحد القولين في المذهب الحنفي، قال القدوري في التجريد: قال أصحابنا: قدم المرأة ليس بعورة في إحدى الروايتين. وروي عنهم أنه عورة، وهو قول الشافعي. لنا: أن المرأة تحتاج إلى كشف قدمها عند مشيها، كما تحتاج إلى إظهار وجهها ويدها عند المعاملة، فإذا خرج أحدهما من أن يكون عورة للحاجة، فالآخر مثله. ولأن الكف يشتهى ما لا يشتهى القدم، فإذا خرج كفها ووجهها من أن يكون عورة فالقدم أولى .. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: ‌القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة وهو الأقوى؛ فإن عائشة جعلته من الزينة الظاهرة، قالت: {ولا يبدين زينتهن ‌إلا ‌ما ‌ظهر ‌منها} قالت: "الفتخ" -حلق من فضة تكون في أصابع الرجلين- رواه ابن أبي حاتم. فهذا دليل على أن النساء كن يظهرن أقدامهن أولا كما يظهرن الوجه واليدين، كن يرخين ذيولهن فهي إذا مشت قد يظهر قدمها ولم يكن يمشين في خفاف وأحذية. اهـ.

والراجح الذي عليه جمهور الفقهاء أن قدم المرأة عورة، وراجع في ذلك الفتويين: 117594، 217294.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني