الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خروج المرأة من بيت زوجها دون إذن لإيقاع الطلاق المعلّق

السؤال

تزوجت حديثًا، ولم يَمْضِ على زواجي إلا ستة أشهر، ووقع لي حادث ذات يوم، وبعد إصابتي وعودتي إلى المنزل أحسست من زوجتي بعدم الاهتمام، فوجهت لها كلامًا لاذعًا -مثل: أنت لا تهتمّين إلا بنفسك، وأنانية-، فتضايقت، ثم نمت، فاذا بها توقظني، وتطلب الطلاق، فرفضت، فغادرت إلى بيت أحد أقربائها بالجوار، ثم عادت بعد الحديث مع والدها، ولكني غضبت عليها كثيرًا، ومع غضبي قلت لها: أنت ناشز، وتستحقين العقاب، وحلفت عليها يمينًا بالطلاق أنها إذا كررت هذا الفعل -إذا خرجت من البيت دون إذن-، فستكون طالقًا مني.
ويوجد بيننا خلاف حاليًّا، وأخشى أن تستغلّ ذلك، وتوقع الطلاق بخروجها دون إذن، علمًا أني عندما قلت ذلك قلته بغرض التخويف، ولأفرغ غضبي مما فعلَت.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمفتى به عندنا؛ أنّ زوجتك إذا خرجت من بيتك دون إذنك؛ وقع عليها الطلاق، وهذا قول جمهور العلماء.

وإذا وقع طلاقها، ولم يكن مُكَمِّلًا للثلاث؛ فلك مراجعتها في عدتها، دون حاجة إلى رضاها، فتحصل الرجعة بمجرد قولك: "راجعت زوجتي".

لكن إذا خرجت زوجتك من بيتك بغير إذنك، وكان خروجها لمجرد قصد إيقاع الطلاق؛ فقد ذهب بعض المحققين من أهل العلم إلى عدم وقوع طلاقها في هذه الحال؛ معاملة لها بنقيض قصدها، قال الدسوقي المالكي -رحمه الله-:.. وَلَوْ عَلَّقَهُ على فِعْلِهَا .. كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا؛ فَدَخَلَتْهَا قَاصِدَةً حِنْثَهُ، فَتَحْرُمُ عليه عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ؛ مُعَامَلَةً لها بِنَقِيضِ قَصْدِهَا. انتهى من حاشية الدسوقي.

وقال ابن القيم -رحمه الله-: المخرج السابع: أخذه بقول أشهب من أصحاب مالك، بل هو أفقههم على الإطلاق، فإنه قال: إذا قال الرجل لامرأته: إن كلمت زيدًا، أو خرجت من بيتي بغير إذني، ونحو ذلك، مما يكون من فعلها؛ فأنت طالق، وكلمت زيدًا، أو خرجت من بيته، تقصد أن يقع علها الطلاق؛ لم تطلق. حكاه أبو الوليد ابن رشد في كتاب الطلاق من كتاب المقدمات له، وهذا القول هو الفقه بعينه، ولا سيما على أصول مالك، وأحمد في مقابلة العبد بنقيض قصده. انتهى من إعلام الموقعين.

وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أنّك ما دمت لم تقصد إيقاع الطلاق، ولكن قصدت التهديد، والتأكيد، ونحو ذلك؛ فلا يقع طلاقها، ولو حنثت في يمينك، ولكن تلزمك كفارة يمين، وراجع الفتوى: 11592.

وننبّه إلى أن الواجب على الزوجين المعاشرة بالمعروف، ومنها أن تطيع الزوجة زوجها في المعروف، ولا تخرج من بيته بغير إذنه لغير ضرورة، وإلا كانت ناشزًا، وقد بينا كيفية التعامل مع الناشز في الفتاوى: 1103، 8649، 119105.

كما ننبه إلى أن الحلف المشروع هو الحلف بالله تعالى، وأما الحلف بالطلاق فهو من أيمان الفُسّاق، وقد يترتب عليه ما لا تحمد عقباه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني