الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب من دلت فتاة على طبيبة للإجهاض

السؤال

أنا امرأة متزوجة منذ 4 سنوات. مشكلتي أني أذنبت ذنبين خطيرين: الأول قبل الزواج، كنت أزني، ووقعت في الحمل مرة واحدة، وأجهضته قبل الأربعين. وتزوجت بعد ذلك ورزقت بطفل، الحمد لله، ولكن بعد ولادتي أصبت باكتئاب حاد؛ لدرجة أنني كنت أحاول الانتحار بسبب ندمي الشديد على ما فعلته من قبل. وبدأت أبحت عن الفتيات في مواقع التواصل الاجتماعي في مثل حالتي، وأنصحهن بعدم ارتكاب معصيتي، وألا يجهضن أنفسهن. وبعد ذلك اشتكت لي فتاة، وترجتني أن أدلها على أي شيء، وأعطيتها رقم فتاة أخرى أجهضت نفسها من قبل، وأعطتها الرقم الخاص بالطبيبة، وذهبت وأجهضت عندها.
فهل أعتبر مذنبة معها، مع العلم أنها كل يوم كانت تشرب أشياء، وكانت تنزف بعض المرات وأظن أن الجنين قد مات قبل الإجهاض، والله أعلم. حياتي تدهورت، ولا أستطيع إكمالها من شدة الندم والحسرة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سلكت مسلك الصواب بندمك على ما وقعت فيه من الزنا، وإجهاض هذا الجنين. وعليك بجعل هذا الندم توبة خالصة باستيفاء شروطها التي قد سبق بيانها في الفتوى: 5450.

ومن تاب؛ تاب الله عليه، فعليه أن يحسن الظن بربه، ويؤمل فيه خيرا، فهو القائل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}. وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه.
وقد أسأت بدلالتك هذه الفتاة على السبيل الذي يمكن من خلاله إجهاض نفسها؛ ففي هذا إعانة على المعصية، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، والدال على الشر كفاعله، كما أن الدال على الخير كفاعله. فتأثمين بهذه الدلالة، والواجب عليك التوبة أيضا، والإحسان في المستقبل، والإكثار من الطاعات وسلوك سبيل الاستقامة، وعدم الالتفات إلى ما كان في الماضي. وراجعي لمزيد الفائدة، الفتاوى: 125275، 10800، 12928.

وننبه إلى أنه ينبغي أن يلتجئ المسلم إلى ربه إذا تكالبت عليه الهموم والغموم، فيتقي الله ويصبر، ويكثر من ذكر الله، فبذلك يوفقه ربه، ويزيل عنه هذه الهموم والغموم، قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ {البقرة:152}، وقال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}، وقال أيضا: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.

وأما الانتحار، فلا ينبغي للمؤمن أو المؤمنة أن يفكر فيه، فضلا عن أن يلجأ إليه بالفعل؛ فإنه انتقال من شقاء إلى شقاء أعظم، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 10397.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني