الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء فيمن حلف لا يفعل أمرا ففعله مكرها

السؤال

بارك الله فيكم.
كنت في الحج قبل سنتين، وقد دخلت بدون تصريح. وأثناء وجودي في مسجد الخيف، كان هناك مكان فارغ في صف من الصفوف؛ فجلست فيه. فقال أحدهم: ضيقت علينا المكان، أو قال إن هذا المكان مكاني تقريبا، لا أتذكر؛ فغضبت من قوله، وأقسمت أن أجلس في مكاني. ثم جاء الشرطي وقال: ارجع إلى الخلف، فخفت أن أعانده، فيطلب مني تصريحي للحج وتكون مشكلة؛ فرجعت.
فهل علي كفارة، أم يعتبر هذا من باب أنني أكرهت على الرجوع؟ وإذا كانت كفارة هل يجوز أن أقلد سيدنا الإمام الشافعي، حيث إنني شافعي أصلا، في قوله بمد واحد أي ما يعادل 510 جرام من الأرز؟ وهل يُجزئ الأرز فقط، أم لا بد من إخراج لحم معه، حيث إن غالب الطعام في بيتنا أرز ولحم، أو أرز ودجاج؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إن من حلف على شيء وحنث فيه مكرها. فقد اختلف الفقهاء في لزوم الكفارة عليه: فمنهم من ذهب إلى أن عليه الكفارة. وهذا قول الحنفية.

جاء في الموسوعة الفقهية: الْحَنَفِيَّة لاَ يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَلِفِ الطَّوَاعِيَةَ وَلاَ الْعَمْدَ، وَهُمْ لاَ يَشْتَرِطُونَهُمَا فِي الْحِنْثِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لاَ يَشْتَرِطُونَ فِيهِ التَّذَكُّرَ وَلاَ الْعَقْل، فَمَنْ حَلَفَ أَوْ حَنِثَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا، وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. اهــ.
ومنهم من قال إنه لا كفارة عليه، وهذا مذهب الشافعية.

جاء في الموسوعة: وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَحْنَثُ مَنْ خَالَفَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ جَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَقْهُورًا، وَلاَ تَنْحَل الْيَمِينُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ. اهــ.
وهذا الصحيح من مذهب الحنابلة أيضا.

قال المرداوي -الحنبلي- في الإنصاف: إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِن الْمَذْهَبِ... وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. اهــ.
ومن العلماء من فصَّل، فقال إن أكره على الحنث إكراها شرعيا، فعليه الكفارة، وإلا فلا، وهذا مذهب المالكية.

جاء في الموسوعة الفقهية عن مذهب المالكية: لاَ يَحْنَثُ فِيهَا بِالإْكْرَاهِ عَلَى فِعْل مَا حَلَفَ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِقُيُودٍ سِتَّةٍ: ـــ وذكروا منها ــ أَلاَّ يَكُونَ الإْكْرَاهُ شَرْعِيًّا... اهــ. ملخصا.
وبما أن السياق يقتضي أنك حلفت ألا تقوم من مكانك ذلك كما يريد خصمك، حتى تؤدي عبادتك فيه، ثم قمت منه قبل ذلك للسبب المذكور. فإنا نرى أنك حنثت بالقيام منه، ونرى أنه تلزمك الكفارة في هذه الحال؛ لأنه لو فُرِضَ أن قيامك كان بإكراهٍ، فإنه إكراه بحق؛ إذ ليس من حقك أن تضيق على الناس أماكن جلوسهم، ولا أن تجلس في مكان شخص آخر قام لحاجة وسيعود، ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ: مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. رواه مسلم.
ولا حرج عليك في الأخذ بمذهب الشافعية في مقدار الإطعام، ومقداره عندهم مد من غالب قوت البلد لكل فقير.

جاء في الموسوعة الفقهية عن: مِقْدَارُ الإْطْعَامِ الْوَاجِبِ فِي الْكَفَّارَةِ: وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ لِكُل فَقِيرٍ مُدٌّ وَاحِدٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني