الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية تهذيب أخلاق البنت العنيدة

السؤال

لدي أخت في العشرينيات من العمر صعبة، وعنيدة، ولا تحترم أهلها.
حصل في أحد الأيام شجار بينها وبين أمي، وكانت أمي في ذلك اليوم غاضبة بسبب مشاكل شخصية، فأثناء الشجار قالت أمي لأختي: لم وضعت أغراضي عندك؟ فأجابتها أختي: أنا لصة (بأسلوب ساخر) فردت أمي: نعم، لصة (وكان ذلك نتيجة انفعال).
ومنذ ذلك الحين لم تعد أختي تكلم أمي إلا إن تكلمت معها أمي، فتجيبها على قدر السؤال، على الرغم من أن أمي كانت وما زالت تطعم أختي وتغسل ملابسها وتجلي جليها، وتصبر أحياناً على حدة لسانها، وأحياناً تبكي أمي من قسوتها، وتخاف عليها من أصدقائها في الجامعة، فأمي طيبة القلب، وعندما تغضب تهدأ بعد فترة وجيزة، وتسامح أختي مهما بدر منها.
فعند رؤيتي لذلك غضبت من أختي، فتوقفت عن المزاح معها وأصبحت أعاملها بأسلوب رسمي (أي عند الضرورة)، ولكنني لم أقاطعها، وظللت ألبي حاجاتها، فعند رؤيتها لذلك توقفت عن التكلم معي (وأنا أعلم أن ذلك يمكن أن يحصل)، وإن أردت مساعدتها تتجاهلني وتتكلم معي فقط عند الضرورة (اخفض صوتك وغير ذلك) ...
الآن، وبعد شهر ونصف من هذه المعاملة، ذهبت أمي للتحدث مع أختي وتهدئة الحال، فردت أختي: لا وقت لدي. فردت أمي: عندما تجدين الوقت المناسب، تعالي لتتحدثي معي.
ولم تكلمها أختي، بل فضلت مشاهدة التلفاز والدردشة مع أصدقائها.
وهذه ليست المرة الأولى التي تقاطع فيها أختي أحدنا (أمي، وأبي وأنا).
ومن وجهة نظر أختي فإنها تستخدم هذا الأسلوب؛ لأنها تشعر بأنها على حق، وأن المسامحة لا يجب أن تكون سهلة، حتى وإن سامحها الآخر.
وأنا الآن أجد في نفسي ضيقا وحزنا، ولا أريد التحدث مع أختي، وأريد أن أكلمها فقط عندما تكلمني، ولا أريد مسامحتها إلا بعد فترة طويلة، بالرغم من أن أمي تدفعني أحياناً للإحسان إليها (لأنني أخوها الوحيد)، ولكنني أخاف غضب الله.
فما التصرف الذي تجدونه مناسبا؟
اعتذر على الإطالة.
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان الواقع ما ذكرت عن أختك، فإنها على خطر عظيم، نسأل الله -تعالى- أن يهديها صراطه المستقيم، وأن يلهمها رشدها ويقيها شر نفسها وسيئ عملها.

ونوصيكم أولا بكثرة الدعاء لها، وسؤال الله -سبحانه- أن يعافيها، فعسى أن يستجيب الله هذا الدعاء، ويكون سببا في صلاحها، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

ثانيا: بذل النصح لها بالرفق واللين، وتذكيرها بالله، وتخويفها من سوء عاقبة العقوق، ويمكن الاستعانة عليها ببعض الفضلاء وأهل الخير ممن يرجى أن يكون لقولهم اعتبار عندها. فإن تابت إلى الله، فالحمد لله، وإلا فإن الهجر مشروع، ولكن ينبغي أن تراعى فيه المصلحة بحيث يترك إن خُشِيَ أن يزيدها عنادا، وتراجع الفتوى: 21837.

ثالثا: إذا أمرتك أمك بالإحسان إليها؛ فأطع أمك، فهذا من الطاعة في المعروف، ولعل هذا الإحسان يكون سببا في صلاحها، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.

قال ابن كثير في تفسيره: ادفع بالتي هي أحسن؛ أي: من أساء إليك، فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر -رضي الله عنه-: ما عاقبتَ من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه.

وقوله: فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم؛ وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك، ومحبتك، والحنوّ عليك؛ حتى يصير كأنه ولي لك حميم؛ أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. اهـ.

رابعا: كون أختك على حق، لا يعني أن لا تعفو عمن أساء إليها، والعفو قد يصعب، ولكن استشعار فضيلة العفو مما يعين على الإقدام عليه، وقد بينا طرفا من الأدلة الدالة على فضل العفو في الفتوى: 27841.

وهل تستصعب أختك العفو عن الأم، وهي لها فضلها عليها، ومأمورة ببرها والإحسان إليها، ومن حق الوالدين: الحق في الإحسان إليهما وإن أساءا، كما هو مبين في الفتوى: 299887.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني