الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفكير الشخص في تجارة صديقه ومنافسته والتطلّع إلى التفوق عليه

السؤال

كنت صاحب عمل، ووضعي المادي جيد، وتغيّرت الأحوال، وخسرت كل شيء في تجارتي -والحمد لله-، وأرجو من الله أن يحسن حالنا، وكان شريكي أقل مني مالًا، وكنت ممول الشراكة لغاية 90%، فباع شريكي أرضه، وبدأ بالتجارة بثمنها، وأصبح وضعه أفضل من وضعي بكثير، وأنا أتمنى له التوفيق، ولكن هناك حاجز بداخلي يأتي من حين لآخر، يقهرني بالتفكير في أنه أصبح أفضل مني، وأنه يجب أن أعمل أيَّ شيء في عملي لكي أصبح أفضل منه، ونحو ذلك، وأحيانًا أحسب رأس ماله، وكم يربح؟ وكم أصبح معه؟ وعند ذلك أرجع لنفسي، وأقول: أعوذ بالله من هذا الشيطان، وتأتيني هذه الأفكار من حين لآخر، فما الحل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فتمنيك التوفيق لصاحبك أمر محمود، ولكن يخشى أن يضعف هذا الشعور، أو يزول مع حرصك على أن تصبح أفضل منه! بل ويخشى أن ينقلب الأمر إلى حسد، أو إصابة بالعين مع تطّلعك إلى ربحه، وتعلّق قلبك به، وحساب رأس ماله، وكم يربح، وكم أصبح معه؟! وقد جاء في الحديث: كل ذي نعمة محسود. رواه أبو نعيم، والبيهقي، وحسنه الألباني.

ولذلك نوصيك أولًا بأن تعرض بالكلية عن التفكير في تجارة صاحبك.

وإذا علمت عنها شيئًا يعجبك، فلتدعُ له بالخير والبركة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو من أخيه ما يعجبه، فليدعُ له بالبركة؛ فإن العين حق. رواه أبو يعلى، والطبراني، والحاكم، وصححه الألباني.

ثم ليعلم -الأخ السائل- أن التنافس على الدنيا مذموم ومضر، بل ومنهي عنه، وقد يجرّ إلى الحسد والبغضاء؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا. متفق عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله، لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم. متفق عليه.

وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا فتحت عليكم فارس والروم، أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض. رواه مسلم.

وقال الحافظ ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» وهو يذكر أقسام الحسد: وقسم آخر إذا حسد لم يتمنّ زوال نعمة المحسود، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنى أن يكون مثله، فإن كانت الفضائل دنيوية، فلا خير في ذلك، كما قال الذين يريدون الحياة الدنيا: {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون} [القصص:79] ...

وقسم آخر إذا وجد في نفسه الحسد، سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداء الإحسان إليه، والدعاء له، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وجد له في نفسه من الحسد؛ حتى يبدله بمحبة أن يكون أخوه المسلم خيرًا منه وأفضل، وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وقد سبق الكلام على هذا في تفسير حديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». اهـ.

ومما يفيد الأخ السائل أن ينظر إلى حال من هو دونه في الرزق، ومن هو أشد منه بلاء، فهذا يعينه على الرضا، ويحمله على الصبر، ففي الصحيحين عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه. وفي رواية لمسلم: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم.

وجاء في شرح مسلم للنووي: قال ابن جرير، وغيره: هذا حديث جامع لأنواع من الخير؛ لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا، طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياد؛ ليلحق بذلك، أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس.

وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها، ظهرت له نعمة الله تعالى عليه، فشكرها، وتواضع، وفعل فيه الخير. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني