الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حمل الطفل في الصلاة

السؤال

إمام مسجد رزقه الله طفلًا، والطفل متعلق بأبيه، وهو يؤمّ الناس حاملًا طفله -الذي يقارب عمره العام- فوق كتفيه، ويبدأ الصلاة فاعلًا ذلك، لا كحدث طارئ؛ محتجًّا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع أمامة بنت زينب -رضي الله عنها-، وقد اعترضتُ عليه؛ لتعمّده فعل ذلك دون ضرورة، وبما ينافي الخشوع في الصلاة، وبيّنت له أن ما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان -مع جوازه - حدثًا طارئًا، لا عن تعمّد مسبق، فيأبى إلا ذلك، وتكراره. أفتونا -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فحمل النبي صلى الله عليه وسلم لأمامة بنت أبي العاص في الصلاة، في فقهه خلاف، وكلام كثير لأهل العلم، تعرّض له الشراح والفقهاء، وقد لخّص كلامهم العلامة ابن دقيق العيد في «شرح عمدة الأحكام»، وذكر في ذلك وجوهًا:

أحدها: أن ذلك في النافلة ...

الوجه الثاني: أن هذا الفعل كان للضرورة ...

الوجه الثالث: أنه منسوخ ...

الوجه الرابع: أن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم ...

الوجه الخامس: أن أمامة هي التي تعلّقت بالنبي صلى الله عليه وسلم، فتركها صلى الله عليه وسلم، وإذا أراد السجود وضعها، فالفعل الصادر منه: إنما هو الوضع، لا الرفع؛ فيقلّ العمل الذي توهم من الحديث ...

الوجه السادس: أن العمل الكثير إنما يفسد إذا وقع متواليًا، وهذه الأفعال لم تكن متوالية؛ فلا تكون مفسدة.

-قال ابن دقيق العيد-: وهذا الوجه إنما يخرج به إشكال كونه عملًا كثيرًا، ولا يتعرّض لمطلق الحمل. اهـ.

وذكر نحو ذلك النووي في شرح مسلم. وقال: كل هذه الدعاوى باطلة ومردودة؛ فإنه لا دليل عليها، ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع؛ لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه من النجاسة معفو عنه؛ لكونه في معدته، وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة، ودلائل الشرع متظاهرة على هذا.

والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلّت، أو تفرّقت، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانًا للجواز، وتنبيهًا به على هذه القواعد التي ذكرتها ...

فالصواب الذي لا معدل عنه أن الحديث كان لبيان الجواز، والتنبيه على هذه الفوائد؛ فهو جائز لنا، وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدِّين. اهـ. وفي هذا تنبيه على حكمة فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك.

فينبغي التفريق بين مقام الجواز والمشروعية، وبين مقام الاستحباب والسنية! ولا سيما وهذا ونحوه مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حمل الأطفال في الصلاة إنما كان في وقائع متفرقة، وقليلة في مجمل صلوات النبي صلى الله عليه وسلم وإمامته بالناس.

ولذلك نقول: ما يفعله هذا الإمام لا تبطل به الصلاة، وهو أمر مشروع في الجملة، خاصة مع الحاجة، أو مراعاة مصلحة، ولا تنبغي المواظبة على ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني