الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل المهدي من ولد الحسن أم الحسين؟

السؤال

عزمت على تسيير عرف في عائلتي، وأن أعلمه لأولادي، وأحرص على أن يعلموه أولادهم؛ حتى يكون إرثًا في نسلنا؛ ألا وهو الحفاظ على تسمية اثنين من الأبناء بمحمد وعبد الله، وعلى أن يسموا أولادهم أيضًا بمحمد وعبد الله؛ أملاً أن يكون الخليفة المهدي في آخر الزمان من نسلنا، فقد حققنا أول شرط، ألا وهو أن نكون من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم من أمّنا فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- من سبط سيدنا الحسين -رضي الله عنه وأرضاه-.
وأما الشرط الثاني، وهو: الإسلام، وحسن التربية، فهو ما أبذل وسعي في تحقيقه بعون من الله، وبما ييسرني إليه، وأنا أدرك أنه لا حرج في تسمية الأبناء، فهل من حرج في أن تكون نيتي ما ذكرته سابقًا؟ جزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في كون المهدي من ولد الحسين خصوصًا، والثابت أنه من آل البيت، فقد يكون من ولد الحسن، وقد يكون من ولد الحسين -رضي الله عنهما-، وقد يكون من ولدهما، من أحدهما من جهة الأم، ومن الآخر من جهة الأب.

وقد استظهر غير واحد من العلماء أن المهدي من ولد الحسن؛ استنادًا لحديث رواه أبو داود في هذا، وقياسًا على ولدي إبراهيم: إسماعيل، وإسحاق -عليهم جميعًا وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام-، قال السيوطي في شرح سنن ابن ماجه: الْمهْدي منا أهل الْبَيْت. اخْتلف فِي أنه من بني الْحسن، أَو من بني الْحُسَيْن، وَيُمكن أن يكون جَامعا بَين النسبتين الحسنيين، والأظهر من جِهَة الْأَب حسني، وَمن جِهَة الأم حسيني؛ قِيَاسًا على مَا وَقع فِي وَلَدي إِبْرَاهِيم، وهما: إِسْمَاعِيل، وَإِسْحَاق -عَلَيْهِم السَّلَام-، حَيْثُ كَانَ أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل كلهم من بني إِسْحَاق، وَنَبِي من ذُرِّيَّة إِسْمَاعِيل نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَقَامَ مقَام الْكل، وَنعم الْعِوَض، وَصَارَ خَاتم الْأَنْبِيَاء؛ فَكَذَلِك لما ظَهرت أَكثر الْأئمة، وأكابر الْأُمَّة من أَوْلَاد الْحُسَيْن، فَنَاسَبَ أن ينجبر الْحسن بِأَن أُعْطي لَهُ ولد يكون خَاتم الأولياء، وَيقوم مقَام سَائِر الأصفياء. قَالَه الْقَارِي.

قلت: وَمِمَّا يدل على أن الْمهْدي من أَوْلَاد الْحسن: مَا روى أَبُو دَاوُد عَن أبي ساحق قَالَ: قَالَ عَليّ، وَنظر إلى ابْنه الْحسن، قَالَ: إن بني هَذَا سيد، كَمَا سَمَّاهُ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيخرج من صلبه رجل يُسمى باسم نَبِيكُم، يُشبههُ فِي الْخلق، وَلَا يُشبههُ فِي الْخلق. اهــ.

وممن ذهب إلى أن المهدي من ولد الحسن شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، قال ابن القيم في المنار المنيف: وَفِي كَوْنِهِ مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ سِرٌّ لَطِيفٌ، وَهُوَ أن الحسن -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- تَرَكَ الْخِلافَةَ لِلَّهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ مِنْ وَلَدِهِ مَنْ يَقُومُ بِالْخِلافَةِ الْحَقُّ، المتضمن للعدل الَّذِي يَمْلأُ الأَرْضَ. وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ أَنَّهُ مَنْ ترك لأجله شَيْئًا، أَعْطَاهُ اللَّهُ، أَوْ أَعْطَى ذُرِّيَّتَهُ أَفْضَل مِنْهُ، وَهَذَا بِخِلافِ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَإِنَّهُ حَرِصَ عَلَيْهَا، وَقَاتَلَ عَلَيْهَا؛ فَلَمْ يَظْفَرْ بِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهــ.

وما دمتم -أيها السائل- من ولد الحسين؛ فلا تتعب نفسك، ولا تنشئ ذلك العرف الذي ربما تطوّر وصار دينًا فيكم؛ فإن الأقرب أن المهدي من ولد الحسن، لا من ولد الحسين، -رضي الله عنهما-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني