الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من استمنى في نهار رمضان عالمًا بالتحريم جاهلًا بكونه مفطرًا

السؤال

أنا الآن في عمر ال 19، وكنت لا أصلي إلا نادرًا، وأحيانًا في جماعة، وكنت أستمني في نهار رمضان، مع أني أعلم أن ذلك محرم، ولكني لم أكن أعلم أنه مفطر، وقد منَّ الله عليّ بالتوبة، وأصبحت أتعجب من تلك الأفعال التي صدرت مني، وأصبحت حزينًا وحياتي كئيبة جدًّا؛ بسبب تقصيري في الماضي.
وأنا الآن عازم على القضاء، فكيف أقضي أيام الصيام في موقفي هذا؟ وهل يجب عليّ دفع فدية؟ علمًا أنني لا أملك مالًا كافيًا؛ فأنا مجرد طالب، وهل أدفعها في المستقبل عندما أقدر؟ وهل يكفي دفع كيلو ونصف من الدقيق أو الأرز؟ وماذا سيحصل لي إذا مت قبل أن أنتهي من قضاء ما عليّ من فوائت؟ وهل سيعذبني الله؟ وإذا شرعت في القضاء، فهل أكون مسلمًا، أم يجب عليّ الانتهاء من القضاء أولًا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأنت -بحمد الله- مسلم، ولكنك ارتكبت ذنبًا عظيمًا، تجب التوبة منه.

وعليك أن تقضي تلك الأيام؛ لأن علمك بالتحريم، وإن لم تعلم كون الاستمناء مفطرًا، يفسد صومك، قال في إعانة الطالبين: (وقوله: وبكونه مفطرًا) معطوف على بتحريم: أي: الجاهل بالتحريم، والجاهل بكونه مفطرًا.

وأفاد بالعطف بالواو أنه لا يغتفر جهله، إلا إن كان جاهلًا بهما معا، وهو كذلك، فلو لم يكن جاهلًا بهما -بأن كان عالمًا بهما معًا، أو عالمًا بأحدهما جاهلًا بالآخر- ضر، ولا يعذر؛ لأنه كان من حقّه إذا علم الحرمة وجهل أنه مفطر، أو العكس، أن يمتنع. انتهى.

وإذا علمت هذا؛ فإن القضاء واجب عليك على الفور، ولا يجوز لك تأخيره لغير عذر -من مرض، أو سفر-؛ لأن من تعمّد إفساد صومه؛ فالقضاء واجب عليه فورًا.

وعليه؛ فإنك تحسب ما عليك من أيام يلزمك قضاؤها، وتشرع في قضاء ما بقي عليك منها؛ حتى تقضي جميع ما عليك.

وعليك مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم أخّرت قضاءه.

ونصف الصاع من الأرز كافٍ في حصول الإطعام، وهو كيلو ونصف تقريبًا.

وإذا عجزت عن الكفارة؛ فإنها باقية في ذمّتك، تخرجها حين تقدر عليها، وتنظر الفتوى: 418177.

وإذا أدركك الموت وأنت مشتغل بالقضاء؛ فلا شيء عليك؛ لأنك فعلت ما تقدر عليه، لكن يجب على ورثتك أن يطعموا عنك عن كل يوم بقي لك مسكينًا، قال في شرح الإقناع: (فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: الْقَضَاءُ (لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَمَاتَ قَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ) أَوْ بَعْدَهُ (أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَيْهِ، وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الْقَضَاءِ فَقَالَتْ: "لَا، بَلْ يُطْعِمُ". رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. انتهى.

ويرى بعض العلماء أنه يجوز لهم الصوم عنك، فإن شاؤوا أطعموا، وإن شاؤوا صاموا عنك؛ لحديث عائشة عند البخاري: من مات وعليه صيام، صام عنه وليّه. وهو قول قوي.

نسأل الله أن يطيل عمرك على طاعته، وأن يرزقك التوبة النصوح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني