الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب الأب والأخت تجاه الأخ المنحرف المرتكب للسيئات

السؤال

جزاكم الله خيراً على موقعكم المفيد.
والداي منفصلان منذ طفولتي، وقد عشت أنا وأخي الكبير مع أبي. لكن أشعر أني مسؤولة عنهما منذ طفولتي، وليس العكس.
سؤالي بخصوص أبي وأخي: فأنا أشعر تجاههما بالاحتقار، لدرجة يصعب علي التعامل معهما بإحسان، وأحاول اعتزالهما ما استطعت وأدعو عليهما كثيراً على الرغم من حب أبي لي.
السبب الرئيسي أن أخي الثلاثيني يرتكب الزنا، ويشرب الخمر، ويتناول الحشيش منذ زمن طويل 'ليس مدمناً' ونادرا ما يصلي. وأصبح ينكر الأحكام الإسلامية، ويجهر أمامي بكل ذلك. وحصل أن عرف أبي 'الملتزم بالصلاة' لدرجة أنه ضبط فتاة مخبأة في خزانته، وعرف عن الخمر. ومنذ 16 سنة إلى الآن نفس ردة الفعل. يغضب منه لمدة يومين، لكنه يغضب أمامي فقط، حتى يريني رفضه لما يفعله أخي. وفي اليوم الموالي يقوم بإعداد القهوة له بنفسه، والضحك معه دون مواجهته. وعندما يراني غاضبة يسبه أمامي، وبعد ذلك يعامله كأن شيئاً لم يكن، ويحاول أن يتحدث معي بمواضيع أخرى.
هذا غير تقصير أخي بكل ما يخصني، وإحسانه لعشيقاته.
هو عاطل منذ سنوات، وأبي يصرف عليه، بينما يتلاعب بي، لكي أصرف أنا حتى بعد أن تركت عملي!!
توقفت عندما اكتشفت كذب أبي علي بالصدفة، وعرفت حالته المادية الممتازة بسبب شجاره مع أخي على زيادة رفاهيته؛ فأصبحت أتجاهل طلباته، وأساهم بأشياء بسيطة، لكني أشتعل غضبا من الداخل؛ لأنه يستغلني دون وجه حق.
بتّ أشعر بالاشمئزاز تجاههما، وأشعر أنهما يفتناني في ديني، ويصعب علي حفظ الضرورات الخمس، وأقصد بالذات العقل والدين.
أصبحت غاضبة دائماً، وأشعر بالذنب تجاه أبي. لا أريد أن أكون عاقة، فأقوم بأداء واجباتي المنزلية، لكن لا أستطيع النظر إليه، وتمر أيام لا أستطيع التحدث معه. أجاهد نفسي، لكن لا أستطيع. وبدأت أتذكر أشياء سيئة فعلها منها مرافقته لامرأة متزوجة كان يحبها، فيزيد احتقاري له.
حالياً أفكر في استئجار منزل مستقل بعد ولادتي؛ لأني أمر بانفصال، وأريد أن تكون بيئة تربية ابني سليمة.
هل أنا آثمة بردة فعلي تجاه أبي؟ وهل أعتبر قاطعة رحم إن قاطعت أخي؟
وما رأي الشرع في تصرف أبي؟
وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكرك في البدء على حرصك على الحفاظ على دينك وعقلك، ونسأله -تعالى- أن يحقق لك ذلك، ويزيدك هدى وتقى وصلاحا. هذا أولا.

ثانيا: إن كان أخوك على الحال التي ذكرت، فهو على خطر عظيم، وخاصة فيما ذكرت من إنكاره بعض الأحكام الشرعية وتركه للصلاة.

وحقه عليكم بذل النصح له، والسعي في إصلاحه بالحسنى، ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الدين النصيحة.

ويمكن أن ينتدب لنصحه من يرجى أن ينتفع بنصحهم. هذا بالإضافة إلى الدعاء له بالهداية والتوبة.

ثالثا: إن انتفع بالنصح وتاب إلى الله وأناب، فالحمد لله، وإلا فيمكن هجره إن رجي أن ينفعه الهجر. وانظري الفتوى: 21837. وهجره لهذه الأسباب، ليس من قطيعة الرحم في شيء.

رابعا: على والدك أن يقوم بما عليه من النصح والعمل على إصلاح ولده، وكذلك الحزم معه في ذلك مع شيء من الرفق واللين. وإذا استمر في الغواية، فليهجره، والمرجو أن يكون لهجر الوالد أثره عليه، وإن خشي أن يزيده الهجر ضلالا وعنادا، فليترك الهجر وليتألفه.

خامساً: لا يجوز لوالدك مساعدة أخيك بمال يستعين به على معصية الله -سبحانه-، فقد قال -تعالى-: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.

سادسا: من حق والدك أن يأخذ من مالك بقدر حاجته إذا احتاج، ولكن ليس من حقه أن يأخذ منه ليعطي أخاك، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 46692.

ومساعدته له والحالة هذه، معين له أيضا على البطالة، وذلك يزيده فسادا. فينبغي حثه على العمل، وبيان ما جاء به الشرع في هذا من النصوص الشرعية، ويمكن الاستفادة من النصوص في الفتوى: 58722.

سابعا: مجرد كراهيتك واشمئزازك من تصرفات أبيك مع أخيك، لا إثم عليك فيه، وكذلك إذا كرهت منه شيئا من المنكرات، ولا تكونين عاقة له بذلك؛ لأن الأمور القلبية لا اختيار لصاحبها فيها.

ويجب عليك اجتناب كل ما يمكن أن يؤذيه بأدنى أذى، ومن ذلك ما يُشعر بهجرانك له، ومن ذلك ما ذكرت من ترك النظر إليه وترك الحديث معه لأيام، فإن هذا موجب للعقوق، وقد أوضحنا ضابط العقوق في الفتوى: 73485.

ثامنا: إن خشيت على نفسك ضررا بسكناك معهما، فلا حرج عليك -إن شاء الله- في الانفراد عنهما إذا كان هذا المسكن آمناً. وراجعي الفتوى: 420220.

ولو أنك صبرت، واستعنت ببعض أهل الخير في الإصلاح، كان أعظم لأجرك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني