الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام تأديب الزوجة المسيئة لزوجها والآخرين

السؤال

هناك مثلٌ شعبيٌّ مشهورٌ في القضاء العشائري بحقِّ المرأَة في فِلَسْطِيْن وهو: "خَيْرُهَا لِزَوْجِهَا وَشَرُّهَا لِأَهْلِهَا"، وهذا يقال للمرأة التي أساءت التصرّف، ولَعبت بذيلها -كما يقولون-، ووجد الرَّجُل أنَّ سلوكها غير سويّ، فله أن يعيدها إلى أهلها؛ لأن المرأة في عرف القبائل "خيرها لزوجها، وشرّها لأهلها".
وهم في هذه الحالة أولى بمحاسبتها على أفعالها، ويسلم بذلك زوجها من تبعات أفعالها. أي أنَّ الزَّوج لا يتحمل تبعات إساءة زوجته، ويتخلَّى عنها في وقت هي بأَمَسِّ الحاجَة إليه، وَيَتَنَصَّل من مسؤوليته كَزَوْجٍ، هل هذا يجوزُ من ناحيَةٍ شرعيَّة؟ وما الحكمُ الشَّرعيُّ في ذلك؟
خالِصُ الشُّكر لكم على جُهدكم في خدمة الإسلام والمُسلمين، وجزاكمُ اللهُ خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداءً؛ إنّ القاعدة في الشرع؛ أنّ كل إنسان مسئول عن نفسه، ولا يحمل أحد وزر أحد، ولا يؤاخذ بجريرة غيره، قال تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}.

وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في حجة الوداع: ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده. رواه ابن ماجه.

ثمّ إن من المقرر عند أهل العلم أن المرأة إذا أصبحت تحت زوج كان زوجها أملك بها من أبويها.

قال ابن تيمية في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.

والزوجة أمانة عند زوجها، وهو قوّام عليها، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ {النساء:34}.

قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها، ومؤدبها إذا اعوجت. انتهى. وراجع الفتوى: 134767.

والإساءة التي تصدر عن الزوجة تختلف باختلاف الأحوال، فإذا أساءت لزوجها بعصيانها فيما يجب عليها طاعته فيه كانت ناشزا، وقد جعل الشرع الحق للزوج في تأديبها على نشوزها، ولمعرفة ما يحصل به النشوز يمكن مطالعة الفتوى: 161663.

وإذا كانت الإساءة في أمر يتعلق بحقوق الله تعالى، فهذه قد اختلف الفقهاء فيما إن كان للزوج الحق في تأديبها عليه أم لا، وسبق بيان أقوالهم مفصلة في الفتوى: 58461.

وبقي أن تكون هذه الإساءة تجاه الآخرين -غير الزوج- كأن تشتم أجنبيا كما مثل بذلك الفقهاء، ولم يجعل بعضهم حقا للزوج في تأديب زوجته عليه، وبعضهم رأى الحق في تأديبها عليه. ويمكن مراجعة الفتوى: 415597.

وإذا أساءت الزوجة؛ فأراد زوجها تطليقها؛ فلا حرج عليه في ذلك؛ قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني عند بيانه لأقسام الطلاق:

والثالث، مباح، وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة، وسوء عشرتها، والتضرر بها من غير حصول الغرض بها.

والرابع، مندوب إليه، وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها، مثل الصلاة ونحوها، ولا يمكنه إجبارها عليها، أو تكون له امرأة غير عفيفة. قال أحمد: لا ينبغي له إمساكها؛ وذلك لأن فيه نقصا لدينه، ولا يأمن إفسادها لفراشه، وإلحاقها به ولدا ليس هو منه، ولا بأس بعضلها في هذه الحال، والتضييق عليها؛ لتفتدي منه، قال الله تعالى {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} [النساء: 19] . ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب. انتهى.

لكن الأولى للزوج ألا يتعجل في تطليق زوجته إذا أساءت، وأن يسعى في إصلاحها، وإذا كره منها خلقا، رضي منها آخر. وراجع الفتوى: 331651.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني