الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مقاطعة الجدّة والخالات المؤذيات

السؤال

قبل شهر تعرضنا للظلم والافتراء من جدّتي وخالاتي، وهذه المشكلة تأذّينا منها كثيرًا؛ لأن أمّي ما أخذت حقّها من أمّها وإخوتها، وأصرّت على بقاء علاقتها بوالدتها أكثر، مع أنها إنسانة ظالمة مؤذية، ولا تملك أدنى حسّ بالضمير.
وأنا لم أسامحها، ولا سامحت خالاتي، وشعوري بالظلم والقهر ينهكني، علمًا أننا لم نستحق ولا واحد بالمائة من الكلام المؤذي الذي قيل لنا، ولا نستحق تحريضهنّ أخي الأكبر علينا بالباطل، والكذب، والزور.
ولم نستطع أخذ حقّنا، والدفاع عن أنفسنا؛ بسبب موقف أمّي الضعيف؛ فأمّي إنسانة مسكينة ضعيفة جدًّا جدًّا؛ لدرجة أنك لو أتيتها وقلت لها: "أنت قتلتِ فلانة" بصوت عال، فستوافقك الرأي، وتبدأ بالبكاء، وعندها قدرة عجيبة على الإحساس بالذنب، وهي لم ترتكب أي خطأ.
لم أستطع تجاوز هذه المشكلة -كما فعلت أمّي-، ولم أستطع زيارة جدّتي أو خالاتي، وهنّ كنّ فيما قبل مقربات جدًّا جدًّا.
شعور الأذى والقهر داخلي كبير جدًّا، ولا أستطيع التظاهر بما لا أشعر، ولا أريد أن أصبح قاطعة رحم، ولا أريد التواصل معهنّ في نفس الوقت، فماذا أفعل؟ وما أقصى مدة سمح لي الإسلام أن لا أتواصل معهنّ؛ لأنني منذ شهرين لم أر خلقة إحداهنّ.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

بخصوص قولك في السؤال: (لأن أمّي ما أخذت حقّها من أمّها وإخوتها): إن كان الحق الذي لم تأخذه أمّك من أمّها وإخوتها حق ميراثها من أبيها، فلا يحلّ لهم أن يمنعوها حقّها.

وإن منعوها، فلها أن ترفع أمرها إلى المحكمة؛ لينصفها القاضي منهم، ويمكِّنها من أخذ حقّها.

وبالنسبة لمقاطعتك لجدّتك وخالاتك؛ فنقول: إن المقاطعة لا تجوز لأي مسلم، حتى لو لم يكن من الرحم الواجب صلتها، فكيف بالجدة والخالات اللواتي هنّ بمنزلة الأم!؟، وانظري الفتوى: 25074.

وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه أقصى أمد الهجران، وأنه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، وذكرنا في فتاوى سابقة أن أكثر أهل العلم على أن الجدّة حكمها كحكم الأمّ في البِرّ، وانظري ذلك في الفتوى: 22766.

فلا تجوز مقاطعتها، وتجب صلتها بالقدر الذي لا يحصل معه ضرر على الحفيد.

وكذلك الخالات، فهن بمنزلة الأمّ، وهنّ من الرحم التي أوجب الله صلتها، وحرّم قطعها، ولا تجوز لك قطيعتهنّ بالكلية، بل يجب عليك صلتهنّ بما هو ممكن مما تأمنين معه أذاهنّ، كالاتصال بهنّ، والسؤال عنهنّ، وبعث السلام لهنّ، ونحو ذلك، وراجعي الفتاوى: 66764، 31904 ، 159293.

وإننا نؤكّد الوصية أن لا تقاطعي جدّتك وخالاتك، وأدِّي حق الصلة التي أمر الله تعالى بها لهنّ.

وما صدر منهنّ من إساءة، فلا تلقي له بالاً، وكأنك لم تسمعيه؛ وبهذا يخف عليك ما تجدين منهنّ، ويقل حزنك جدًّا.

واستحضري دائمًا أنك تفعلين هذا طلبًا لرضا أرحم الراحمين، وصبرك على إساءتهنّ لك ولوالدتك هو من أعظم الأعمال التي تكسبين بها الأجر.

وتذكّري ذاك الرجل الذي جاء يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء معاملة أقاربه له، فقال: يا رسول الله، إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم، ويسيئون إلي، وأحلم عنهم، ويجهلون علي. فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم.

قال النووي في شرح مسلم: المَلّ: بفتح الميم، الرماد الحار. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني