الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محبة المسلم لمخلوق محبة تؤدي إلى معصية الله

السؤال

قرأت في فتوى سابقة لكم: أن من يحب المخلوق كحب الخالق أو أكثر، يكون كافرًا، فهل يكون كافرًا إذا كانت محبة عبودية بأن يجعل لله ندًّا، أم في جميع الحالات؟ لأنني قرأت في فتوى سابقة أن الباز لا يكفّر فيها من يساوي بين حب الخالق والمخلوق، لكنه لم يذكر حكم من يحب المخلوق أكثر من الخالق، فأرجو أن تفيدوني في هذه المسألة، مع ذكر ما إذا كانت المسألة خلافية أم مسألة إجماع.
وهل أجمع العلماء على تكفير من لا يحب الله، ولكنه لا يبغضه، ويؤمن بكل ما جاء به رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، ويطيعه فيما أمره؟
وقرأت في إحدى فتاويكم: "أنه إذا بلغ المحب درجة من الحب، بحيث توقعه محبة محبوبه وطاعته في معصية الله، فقد أشرك"، فأرجو التوضيح أكثر في هذه المسألة، فلو أحبت امرأة مسلمة رجلًا نصرانيًّا وتزوجته؛ لأنها تحبه، فهل تكون بذلك عاصية أم كافرة؟ أرجو عدم الإحالة إلى فتاوى أخرى، والاختصار في الإجابات، وشكرًا على مجهوداتكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فظاهر من سؤالك هذا، وأسئلتك السابقة، أن لديك نوعًا من الوسوسة في شأن الكفر والشرك.

فإذا أردت أن يطمئن قلبك، وتسكن نفسك؛ فعليك بالإعراض عن هذه الوساوس جملة، وعدم الالتفات إليها، والكف عن الاسترسال معها.

واعلمي أن مجرد محبة المسلم لمخلوق محبة تؤدي إلى معصية الله، لا يستلزم الكفر؛ فتقديم محبة غير الله على محبة الله، ليس كفرًا في كل حال، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فإن المسلم المستحق للثواب، لا بد أن يكون مصدقًا، وإلا كان منافقًا، لكن ليس كل من صدق، قام بقلبه من الأحوال الإيمانية الواجبة -مثل كمال محبة الله ورسوله، ومثل خشية الله، والإخلاص له في الأعمال، والتوكل عليه-، بل يكون الرجل مصدقًا بما جاء به الرسول، وهو مع ذلك يرائي بأعماله، ويكون أهله وماله أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله، وقد خوطب بهذا المؤمنون في آخر الأمر في سورة براءة، فقيل لهم: إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {التوبة:24}.

ومعلوم أن كثيرًا من المسلمين، أو أكثرهم بهذه الصفة، وقد ثبت أنه لا يكون الرجل مؤمنًا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وإنما المؤمن من لم يَرْتَبْ، وجاهد بماله ونفسه في سبيل الله، فمن لم تقم بقلبه الأحوال الواجبة في الإيمان، فهو الذي نفى عنه الرسول الإيمان، وإن كان معه التصديق، والتصديق من الإيمان، ولا بد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله، وخشية الله، وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك، ليس إيمانًا البتة، بل هو كتصديق فرعون، واليهود، وإبليس. اهـ.

وفي قوله: "ولا بد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله، وخشية الله، وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك، ليس إيمانًا البتة، بل هو كتصديق فرعون، واليهود، وإبليس"، جواب عن سؤالك الثاني؛ فلا يصح الإيمان بلا محبة لله، فمن خلا قلبه من محبة الله؛ فقد انتفى الإيمان من قلبه، ولا شك في كفره.

وأما قولك: (قرأت في إحدى فتاويكم: أنه إذا بلغ المحب درجة من الحب، بحيث توقعه محبة محبوبه وطاعته في معصية الله؛ فقد أشرك)، فلا ندري أي فتوى تقصدين!

وعلى كل؛ فقد قدمنا لك أن مجرد محبة المسلم لمخلوق، محبة تؤدي إلى معصية الله، لا يستلزم الكفر.

وكل ما ذكرناه لك لا نعلم فيه خلافًا في مذهب أهل السنة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني