الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قراءة الفاتحة على المأموم

السؤال

إذا نسيت قراءة الفاتحة وأنا مأموم في الصلاة الجهرية، فهل أعيد الركعة وأسجد للسهو، أم يتحمل الإمام النسيان عني، ولا يلزم إعادة الركعة؟ لحديث أبي بكرة الثقفي أنه جاء والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكع، فركع دون الصف، ثم دخل في الصف، فلما سلَّم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال له: "زادك الله حرصًا، ولا تعد"، ولم يأمره بقضاء الركعة التي لم يُدرك قيامها، وقد قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا، إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها
مع ذلك ذهب جمهور أهل العلم -المالكية، والحنابلة، والحنفية- إلى عدم وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية، فماذا كان ردّهم على الحديث الذي ذكرته فوق، الذي يتعارض مع فتواهم؟ وهل لهم تفسير آخر للحديث؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:

فمذهب الشافعية هو وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في كل ركعة من ركعات الصلاة، ومن نسيها في ركعة، فعليه أن يعيد تلك الركعة.

ومن العلماء من يرى أن قراءة الفاتحة واجب، يسقط بالنسيان، وقد بسطنا أقوال العلماء في هذه المسألة في الفتوى: 121558، فانظرها.

قال النووي -رحمه الله- في المجموع: فلو ركع مع الإمام، ثم تذكر أنه نسي الفاتحة، أو شك في قراءتها، لم يجز أن يعود لقراءتها؛ لفوات محلها، ووجوب متابعة الإمام، فإذا سلم الإمام، لزمه أن يأتي بركعة. انتهى.

وأما حديث أبي بكرة، فليس له تعلّق بالمسألة؛ لأن أبا بكرة أدرك الإمام راكعًا، والشافعية يسقطون الفاتحة عمن أدرك الإمام راكعًا؛ لفوات محلّها، وهو القيام.

ومن العلماء من لا يرى الاعتداد بالركعة لمن أدرك الركوع، وهو مذهب البخاري، والظاهرية.

وتلك مسألة أخرى ليست هي ما نحن فيه؛ فحديث أبي بكرة لا يشكل على من أوجب الفاتحة على المأموم؛ لأنهم يستثنون تلك الصورة، ويخصونها من عموم وجوب القراءة.

وأما جواب الجمهور عن حديث: لا تفعلوا إلا بأم الكتاب. فهو تضعيفه؛ لكونه من رواية محمد بن إسحاق، وجماعة من المحدثين يرجّحون أنه لا يتابع على ما انفرد به، ومن صحّح حديثه؛ لكونه صرّح بالسماع، يراه حجة، والجمهور يقولون: إنه معارض بأصح منه، وهو قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الأعراف:204}، وحديث: وإذا قرأ فأنصتوا. وبسط شيخ الإسلام حجة الجمهور في رسالة انتصر فيها للقول بعدم وجوب القراءة على المأموم فيما يجهر فيه الإمام.

والحاصل: أن المسألة من كبار مسائل الفقه، وهي مسألة خلاف سائغ مشهور منذ زمن الصحابة -رضوان الله عليهم-، ولا تثريب على من اختار قولًا من الأقوال، إن كان أهلًا للاختيار، أو قلّد ثقة يفتي به، حيث كان عاميًّا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني