الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتى عرافا... فهل يترك الصلاة أربعين يوما؟

السؤال

ذهبت إلى عرافة تتنبأ بالمستقبل على الإنترنت، وأخذت مني 4 آلاف جنيه مصري تقريبا في عشرين دقيقة، وهي امرأة خرفة لا تقول إلا خرفا، كلاما عاما معدوم القيمة، مطاطيا، ليطول الوقت، ويزيد الأجر؛ لأن الأجر بالدقيقة، لكن للأمر قصة: كنت أؤمن لأربعة سنوات بضلالات جعلت عائلتي تودعني في مستشفى أمراض عقلية أربع مرات، وأهنت إهانة عظيمة، وضربوني ضربا مبرحا، وعروا جسدي قهرا، وحبسوني حبسا في بلدي.
لكن المهم فعلت أمورا وقتها، ليست مؤذية، لكنها غريبة، ولافتة كثيرا نتاج الضلالات بالطبع. إحدى هذه الضلالات أن عددا من الناس قال لي أقوالا أستغربها، والأقوال كثيرة، كأنهم عندهم نبوءة بمستقبلي. قال لي أحدهم عندما تكبر سيكون لك شأن عظيم -دون أن ينظر إلي- بصوت خافت، وهو يسير أمامي، وقال آخر على نفس الطريقة: سترتقي، وآخر مظهرك ستكون قائدا، هكذا دون مناسبة، وآخر تحدث كأنه يعلم مستقبلي، وقال -واثقا من نفسه-: ستحدث لك هذه الزيجة لكن تذكر كلامي، وهم أكثر من ذلك، وغريبون.
أردت أن أرى لو كان هناك نبوءة حقا؛ لأني أظن أنه صار شائعا بين عدد كبير هذه الأقوال الغريبة، فذهبت للمرأة الخرفة، وسألت العرافة. السؤال: هل أأثم كما ورد في الحديث أربعين ليلة بلا صلاة؟ كان عندي قناعة تامة أنني لا أسألها سؤالا، كما هو مصور في الحديث.
فسؤالي عن تجربة مؤلمة، وضلالات سابقة، وبحث عن سبب الأقوال الغريبة التي لم يكن لها سياق؛ كأنهم يخفون أمرا، ثم في اليوم التالي أنبني ضميري، وقلت: حسنا، أسأل شيخا، وإن كان حراما هل أأثم؟ وقناعتي كانت أنه لا إثم في هذا. فهذا بحث واستقصاء، لا سؤال نبوءة وإيمان بالكهانة. أعني هل إن سألهم صحفي يأثم؟ وهل أترك الصلاة أربعين يوما؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد جاء الوعيد على إتيان مدعي علم الغيب؛ كالعرافين ونحوهم، وسؤالهم على وجه التعظيم لهم وتصديقهم.

ففي الحديث الذي أخرجه مسلم عن صفية عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة.

وأخرج الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه فيما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-. وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما.

وأما الجهل بحرمة سؤال العرافين على وجه التصديق لهم: فقد يعذر به صاحبه، ويرفع عنه الإثم. وانظر الفتويين: 166799 - 343438.

وبعد هذا التقرير العام: فلا شك أنه لا سبيل لنا إلى العلم هل كتب عليك إثم بفعلتك هذه أم لم يكتب؟ فعلم هذا عند الله سبحانه وحده.

وينبغي لك على كل حال: التوبة والاستغفار مما فعلت، فإن المسلم مأمور بالتوبة على كل حال، وليس التوبة متوقفة على جزم العبد بوقوعه في الإثم، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31}.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: ومنزلة التوبة أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به، واستصحبه معه ونزل به، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النهاية ضرورية، كما أن حاجته إليها في البداية كذلك، وقد قال الله تعالى {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: 31] وهذه الآية في سورة مدنية، خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه، بعد إيمانهم وصبرهم، وهجرتهم وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه، وأتى بأداة لعل المشعرة بالترجي، إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون، جعلنا الله منهم. قال تعالى {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11] قسم العباد إلى تائب وظالم، وما ثم قسم ثالث البتة، وأوقع اسم الظالم على من لم يتب، ولا أظلم منه، لجهله بربه وبحقه، وبعيب نفسه وآفات أعماله. اهـ.

ولا يجوز لك ترك الصلاة مطلقا، وأما المراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. فهو أنه لا يحصل له ثواب أهل الرضا والإكرام.

فالحديث لا يدل على إسقاط أداء الصلوات أربعين ليلة، ولا على إيجاب قضائها.

قال القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: فليس معنى قوله: ((لا تقبل له صلاة)) أن تحبط، بل: إنما معناه - والله أعلم - أنها لا تقبل قبول الرضا، وتضعيف الأجر. لكنه إذا فعلها على شروطها الخاصة بها، فقد برئت ذمته من المطالبة بالصلاة، وتقضي عن عهدة الخطاب بها، ويفوته قبول المرضي عنه، وإكرامه، وثوابه، ويتضح ذلك باعتبار ملوك الأرض. ولله المثل الأعلى، وذلك أن المهدي إليهم: إما مردود، أو مقبول منه، والمقبول: إما مقرب مكرم مثاب، وإما ليس كذلك. فالأول: هو المبعد المطرود، والثاني: هو المقبول القبول القائم الكامل. والثالث: لا يصدق عليه أنه مثل الأول، فإنه لم ترد هديته. بل: قد التفت إليه، وقبلت منه. لكنه لما لم يثب، ولم يقرب صار كأنه غير مقبول منه، فيصدق عليه أنه لم يقبل منه إذ لم يحصل له ثواب ولا إكرام. اهـ. من المفهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني