الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من البِرّ طاعة الوالدين في طلاق الزوجة وحرمانها من المؤخّر؟

السؤال

عمري 34، متزوجة من رجل منذ عام، انتظرته ثلاث سنوات حتى بنى منزله، ووقفت إلى جانبه لإتمام زواجنا، وكنت أتغاضى عن طريقة تعامل أهله معنا في فترة الخِطبة، فنحن من بيئتين مختلفتين.
وضعي المادي جيد جدًّا، فأنا أمتلك شهادة عُلْيا، ووظيفة براتب ممتاز، وسيارة، وأعطيته سيارتي من أول زواجنا، ولم أبخل عليه أبدًا، وسدّدت الديون المتراكمة عليه من الزواج.
لاحظت في بداية زواجنا أنه لا يحاول التقريب بيني وبين أهله، حتى بعد إخباري له أن أخته تسيء لي دائمًا بكلام مبطن وعنصري، إلا أنه كان يتجاهل ذلك تمامًا، ويخبرني أن علاقتي بهم يجب أن تبقى رسمية.
بعد زواجنا بشهرين حملت بطفلتي، وكان حملًا صعبًا، فقد كنت أقطع يوميًّا 170 كيلو ذهابًا وإيابًا لعملي، وكنت مصابة بسكري الحمل.
طلبت منه أن يدعو إخوته للغداء أو الإفطار في رمضان، إلا أنه رفض، واعتذر بوباء كورونا وحملي، وقال: بعد ولادتك سنقوم بدعوتهم جميعًا.
خلال تعاملي مع أهله عرفت أن والدته لديها نوع من الطمع؛ فهي تنظر إلى كل شيء، فقد اشتريت جهازًا كهربائيًّا، وكلّفني ذلك جهازًا لها أيضًا، وشرحت لزوجي أن هذا يفوق قدرتنا المالية، وأننا نتكلّف الكثير للوصول إلى عملنا، وجهّزت أجمل شيء لابنتي، وأخبرني زوجي أنه توجد غيرة شديدة بين النساء.
ولدت بعملية في مستشفى خاص؛ فتأميني يتيح لي هذا الشيء، إلا أن والدته لم يعجبها، وأخذته من المستشفى، وفي اليوم التالي خرجت للبيت أنا، وزوجي، ووالدتي، وعندما وصلنا ذهب زوجي مسرعًا، وأحضر والدته، وافتعلت مشكلة، وزعمت أنني حرمت أخوات زوجي من دخول بيت أخيهم، وبدأت بالصراخ والبكاء بصوت عالٍ، فهجم زوجي عليَّ، وضربني، وحاول خنقي، فدفعته عني، وصرخت أمّه زاعمة أنني ضربته، وهدّدتني بالطلاق، وأنني لاجئة من مخيمات، وأن الجميع كانوا يرفضونني.
في اليوم التالي أتى أخي، وأخذني أنا وأمّي وطفلتي، ومضت ثلاثة أشهر، ولم يحاول زوجي الإصلاح أبدًا، واتصل والده يتّهمني بأنني ضربت ابنه، وأنهم يريدون طلاقي، مع حرماني من المؤخّر.
حاولت التواصل معه عدة مرات، وبعث صور ابنتنا، إلا أنه رفضها بقسوة، فكيف أتعامل مع تخلّي زوجي عنا بهذه الطريقة؟ وهل يجوز لزوجي أن يطلّقني بمجرد طلب والديه؟ وأنا ذات خُلُق بشهادتهم، ودائمة التذكير له بالصلاة، فهل هذا من البِرّ؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا ينبغي لزوجك أن يطلّقك لمجرد أمر والديه له بطلاقك.

ولا يلزمه طاعتهما، وتنفيذ أمرهما، إن لم يكن لهما فيه غرض صحيح.

وليس لهما أمره بطلاقك لمجرد هوى النفس، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل متزوج، ووالدته تكره الزوجة، وتشير عليه بطلاقها، هل يجوز له طلاقها؟

فأجاب: لا يحلّ له أن يطلّقها لقول أمّه، بل عليه أن يبرّ أمّه، وليس تطليق زوجته من برّ أمّه. اهـ.

وإن صحّ ما ذكرتِ من سوء معاملة زوجك لك؛ فهذا يتنافى مع ما أُمِر به الزوج من حسن عشرة زوجته، وراجعي الفتوى: 134877.

وكذلك الحال بالنسبة لما ذكرتِ من سوء معاملة أهله لك؛ فإنه يتنافى مع أدب المعاشرة بين الأصهار، وانظري الفتوى: 113799.

وننصح بأن يتدخّل العقلاء من أهلك وأهل زوجك للعمل على الإصلاح، وبذل النصح لكل من يسيء، ويسعى في التفريق بينكما، قال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ{النساء:128}.

ولعل الله يسوق الخير على أيديهم، فيتم الصلح.

وإن لم يتيسر ذلك، ولجأ للطلاق، وطلّقك، فلك عليه جميع حقوق المطلقة، ومنها مؤخر الصداق، وقد بينا حقوق المطلقة في الفتوى: 8845.

ولا يحقّ لأحد حرمانك من هذا المؤخّر، إلا أن تتنازلي عنه برضاك.

وخروجك من المنزل -إن لم يكن بإذن زوجك-، فهو نشوز، إلا إذا دعتك لذلك خشية الضرر منه بضرب، ونحوه، قال الرملي في نهاية المحتاج: أو يخرجها معير المنزل، أو متعدّ ظلمًا، أو يهددها بضرب، فتمتنع، فتخرج خوفًا منه، إن تعين طريقا؛ فخروجها حينئذ ليس بنشوز لعذرها؛ فتستحق النفقة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني