الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا أميز بين الحيض والاستحاضة، وأنا حاليا مستحاضة، وأعلم أن المستحاضة يجب أن تتوضأ بعد دخول وقت كل صلاة، غير أن استحاضتي أنا ليست مستمرة، فتنقطع في بعض الفترات التي تارة تكون كافية للطهارة والصلاة دون خروج دم، وفي بعض الأحيان تكون فترات انقطاع الدم غير كافية للطهارة والصلاة دون خروج دم.
فمثلا حينما يدخل وقت صلاة العشاء، يمكن أن أجد دما خفيفا ينزل، فأنتظر -وأنا لا أعلم متى ستأتي الفترة التي ينقطع بها الدم-، فأترك صلاة العشاء إلى آخر وقتها أي: قبل الفجر بقليل؛ لأن مراقبة الدم على رأس كل ساعة يشق عليّ.
وفي بعض الأحيان أيد الخروج بعد أذان العصر، فأصليه -وإن كان الدم نازلا- لكني أخشى في فترة خروجي أن يتوقف الدم، فتجب عليّ إعادة الصلاة.
فهل يجب عليّ انتظار فترة انقطاع الدم في كل صلاة، ولو كنت لا أعلم سعتها للطهارة والصلاة دون خروج الدم؟
وإن كنت سأخرج من البيت بعد دخول وقت صلاة ما، فماذا عليّ فعله؟ مع العلم أنه غالبا تكون فترة انقطاع الدم غير كافية للصلاة والطهارة دون خروج دم.
وهل يمكنني الجمع جمع تقديم بين الظهر والعصر إذا علمت مثلا أنني سأخرج بعد العصر، ولاحظت أن الدم لا ينزل مني ظهرا، فأجمع بين الصلاتين في هذه الحالة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دام نزول الدم مستمرا عليك، ولا تعلمين فترة انقطاعه، ولا مدة ذلك إن حصل هل يكفي لفعل الصلاة في وقتها أم لا؟
فحكمك حكم المستحاضة التي لا ينقطع عنها الدم، ويجب عليك أن تتوضئي لكل صلاة بعد دخول وقتها، وتصلين بهذا الوضوء الفرض، وما شئت من النوافل حتى يخرج الوقت.

ولا يجب عليك تأخير الصلاة عن وقتها، ولا يلزمك مراقبة الدم على كل ساعة، فهذا مما يشق، ولا يضرك جريان الدم بعد ذلك؛ لأنه دم استحاضة، ولو انقطع في الوقت؛ فليس عليك إعادة الصلاة.

جَاءَتْ فَاطِمَةُ بنْتُ أبِي حُبَيْشٍ إلى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ؛ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ، فلا أطْهُرُ، أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: لَا، إنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ، وليسَ بحَيْضٍ، فَإِذَا أقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي -قالَ: وقالَ أبِي: -ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حتَّى يَجِيءَ ذلكَ الوَقْتُ. أخرجه البخاري، ومسلم.

ويمكنك الغسل مع الجمع بين الظهر والعصر، وكذا الجمع بين المغرب والعشاء: لحديث حمنة بنت جحش عند الترمذي وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: فإن قويت على أن تؤخري الظهر، وتعجلي العصر، ثم تغتسلين حين تطهرين، وتصلين الظهر والعصر جميعا، ثم تؤخرين المغرب، وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين، وتجمعين بين الصلاتين، فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وهو أعجب الأمرين إليَّ. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وحسنه الألباني -رحمه الله-.

وأما هل للمستحاضة أن تجمع الظهر والعصر مثلا جمع تقديم، وتصليهما بوضوء واحد؟ فالجواب عنه: أنه لا حرج عليها في ذلك إن شق عليها الوضوء لكل صلاة في وقتها، فتجمع بين الظهر والعصر، وتصليهما في وقت إحداهما، وكذلك المغرب والعشاء، تصليهما في وقت إحداهما. إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير، حسب الأرفق بها؛ لحديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: اسْتُحِيضَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُمِرَتْ أَنْ تُعَجِّلَ الْعَصْرَ وَتُؤَخِّرَ الظُّهْرَ، وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا، وَأَنْ تُؤُخِّرَ، الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلَ الْعِشَاءَ، وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا، وَتَغْتَسِلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ غُسْلًا. رواه أبو داود، وصححه الألباني.

ولم يشترط الفقهاء للجمع أن تغتسل، لكن اشترطوا وجود المشقة في أداء الصلاة في وقتها. كما لا يشترط هنا أن يكون الجمع صوريا؛ كأن يكون في آخر وقت الظهر، وأول وقت العصر مثلا، وإن كان هذا هو الأولى، بل لها الجمع جمع تقديم أو تأخير حسب الأرفق بها.

جاء في كشاف القناع للبهوتي: (يجوز) الجمع (بين الظهر والعصر) في وقت إحداهما (و) بين (العشاءين في وقت إحداهما) فهذه الأربع هي التي تجمع: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء في وقت إحداهما، إما الأولى، ويسمى جمع التقديم، أو الثانية، ويقال له جمع التأخير في ثمان حالات .... إلى قوله: وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة، وهي نوع مرض، واحتج أحمد بأن المرض أشد من السفر. انتهى.

وننبهك على أن وقت مختار العشاء ينتهي عند ثلث الليل الأول، وقيل إلى نصفه، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: صلوا فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل. متفق عليه.

وقيل يمتد إلى نصف الليل، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: أخّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة العشاء إلى نصف الليل. رواه البخاري، وفي صحيح مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: وقت العشاء إلى نصف الليل.

وما بعد منتصف الليل إلى الفجر؛ فهو وقت ضرورة، لا يجوز تأخير الصلاة إليه إلا لعذر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني