الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام أخذ راتب الزوجة إلا قليلا منه

السؤال

أنا في منتصف الثلاثينيات، متزوجة منذ سنوات، ولم أرزق بأطفال، موظفة، وأعمل في شركة بمرتب ممتاز. زوجي اشترط عليَّ عند السماح لي بالعمل أن يكون الراتب مع راتبه، ونصرفه سويًّا.
ثم أصبح يضيق عليَّ لترك العمل، ومنذ أول شهر لي في العمل وهو يأخذ راتبي كاملا، وأنا بداخلي غير راضية، ويختلط مالي بماله. يقوم بدفع الالتزامات الأساسية، ويعطيني مصروفا شهريًّا بسيطا لا يذكر نسبة إلى راتبي، وما يتبقى يتصرف فيه، وغالبا في الصرف على أهله، وأكثر صرفه على والدته، وهي ميسورة الحال، ولديها دخل ثابت، ولكن تستغل زوجي، وتطلب منه مالا، وأنا غير مسامحة فيه، وأدعو الله أن يأخذ حقي منها، ومنه في الآخرة.
سألته أن نخصص مبلغا شهريا بسيطا جدا لوالدتي؛ كونها فقيرة، ووالدي متوفى -رحمه الله-، ورفض ذلك، وقال إن الأولى بمساعدتها إخواني الذكور، وهو يعلم أنهم بلا عمل، ووضعهم سيء. بالمقابل هو يصرف على أمه كيف يشاء، وفي أمور ثانوية. وأنا ما أطلبه هو أمور أساسية مثل الطعام والعلاج أن أساعد أهلي به. أشعر بالقهر أن أرى أمي في ضائقة، وأنا لديَّ المال الكافي للإنفاق عليها، لو أنني حرة التصرف فيه.
وزوجي يهددني بالطلاق إن استمررت في العمل، ويريد أن أتركه، وهو وسيلتي الوحيدة للتنفيس عن نفسي؛ كوني بلا أولاد، وعملي في مكان محترم، ولا يوجد به اختلاط، ولا يغضب الله.
أرجو إفادتي بما أعمله. هل أطلق من زوجي، وأستمر في العمل، وأنفق على والدتي، وأكسب بِرَّها؟ أم أترك العمل، وأستمر في زواجي، وأقبل بما يريده زوجي؟ لأن بقائي في العمل، وعلى ذمته؛ هو استنزاف لي ماديا ونفسيا، وسيستمر بأخذ راتبي دون حق، وأنا أشعر أنني أظلم نفسي بهذا الأمر، وبالحسرة على نفسي؛ لأن عملي طويل، وأتعب، ولا أجد من زوجي ما يدعمني، أو يقدر تعبي. علما أنني لا أقصر في واجبات زوجي، وأقوم بها. والله شهيد على ذلك.
زوجي في نفسه يعلم أن سكوتي على حقي اختصارا للمشاكل، ولأنه يهددني بالطلاق، وسبق أن طلقني مرتين أثناء غضبه، وأنا لا أريد أن أخرب بيتي. أنا أعيش مع قنبلة موقوتة، في أية لحظة سينفجر في وجهي، ويطلقني. حياتي تعيسة، ولا أعلم كيف أتصرف، لا أريد أن أغضب ربي، أو أستمر في ظلم نفسي.
حاولت أكثر من مرة أن أتفاهم مع زوجي بالحسنى، وأن أناقشه، ولكنه شخص عصبي جدا، ولا يتقبل أيَّ نقاش، ويهينني، ويجرحني بالكلام، ولايرى نفسه مخطئا، أو يعتذر. ويصر أن أترك العمل، أو يطلقني. ماذا أفعل؟ أرجوكم لقد ضاقت بي الدنيا.
أرجو مساعدتي، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن المقرر شرعا أن المرأة لها ذمتها المالية المستقلة، فما تكتسب من مال من راتب وغيره، فهو ملك لها، فليس لزوجها أن يأخذ شيئا منه إلا برضاها، وبطيب نفس منها.

روى أحمد في المسند عن أسماء -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 9116.

ويجوز للزوج أن يأذن لزوجته بالعمل مقابل جزء من راتبها على سبيل التراضي بينهما.

قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه على رياض الصالحين: .... أما إذا لم يشترط عليه أن يمكنها من التدريس، ثم لما تزوج قال: لا تدرسي، فهنا لهما أن يصطلحا على ما يشاءان، يعني مثلًا له أن يقول: أمكنك من التدريس بشرط أن يكون لي نصف الراتب، أو ثلثاه، أو ثلاثة أرباعه، أو ربعه، وما أشبه ذلك، على ما يتفقان عليه.... اهـ.

فإذا ثبت ما ذكرتِ من أن زوجك يأخذ مالك -إلا قليلا منه- من غير رضاك، فهذا ظلم منه واعتداء. والأدهى والأمر إن كان يمنعك من مساعدة أمك منه، وصرفه منه على أهله، وهذا في الحقيقة أمر عجيب، وتصرف منه غريب، ونوع من سوء العشرة، وهو المأمور شرعا بأن يحسن عشرتك، كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.

وقد أحسنت بنصحك له بالحسنى، ونرجو أن تستمري في هذا النصح، ولا تكتفي بذلك، بل استعيني بأهل الخير، ومن ترجين أن يكون قوله مؤثرا عليه، هذا مع كثرة الدعاء له أن يصلح الله حاله، فإذا صلح جمعت بين الحفاظ على تماسك الأسرة، وتفادي الطلاق، وبين الحصول على ما تبتغين من راتبك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني