الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل باب التوبة باب حقيقيّ ماديّ؟

السؤال

هل باب التوبة باب ماديّ أم لا؟ وأريد منكم ذكر كل الأحاديث التي تتعلق بباب التوبة، ودرجة صحتها.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن باب التوبة المقصود به حقيقة الباب المعروف، ومن ثم؛ فهو باب ماديّ، كما يظهر من صفته في بعض الأحاديث، إضافة إلى تنبيه بعض العلماء على ذلك، فعن صفوان بن عسال -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: إن للتوبة بابًا عرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها. حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.

قال الصنعاني في التَّنوير: شَرْح الجَامِع الصَّغِيرِ: (إن للتوبة) أي: لقبولها (بابًا عرض ما بين مصراعيه) أي: شطريه، والمصراع من الباب: الشطر، كما في المصباح، وغيره (ما بين المشرق والمغرب، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها) اهـ.

وهناك قول لبعض أهل العلم أن باب التوبة يقصد به عمر المؤمن، وليست حقيقة الباب، قال المناوي في فيض القدير: وقال القونوي: باب التوبة كناية عن عمر المؤمن، واختصاصه بسبعين سنة؛ إشارة إلى ما في الحديث الآخر: "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين"، وإنما ذكر العرض دون الطول؛ لأن العرض دائمًا أقلّ منه، وللإنسان أجلان: أجل مُتناهٍ، وهو مقدار عمره في هذه النشأة والدار، وأجلٌ آخر، وهو روحاني يعلمه الحق مخصوص بالنشأة الأخروية في جنة أو نار غير مُتناهٍ، وإليه أشار بقوله: {وأجل مسمى عنده}؛ ولهذا يقولون: للعالم طول وعرض؛ فعرضه عالم الأجسام، وطوله عالم الأرواح.

وغلقُ الباب كناية عن انتهاء العمر، وإليه أشار بخبر: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".

قال: ولستُ أقول: لا معنى للحديث غير هذا، بل أقول: لما كانت النشأة الإنسانية نسخة من نشأة العالم، وأخبرت الشريعة بأن الشمس تطلع من مغربها عند قرب الساعة كناية عن موت ما يقبل الموت من العالم، وكانت الشمس بالنسبة إلى جسم الإنسان؛ وجب أن لا يثبت في العالم الخارج عن الإنسان وصف ولا حكم، إلا وتكون النسخة الإنسانية له مثل ونظير. اهـ.

لكن قال الصنعاني في التنوير تعليقًا على هذا الكلام: وأقول: إنه إخراج لكلام رسول الله عن معناه القريب، وما الظاهر منه إلا الباب حقيقة، وأي مانع عنه!؟ اهـ.

ومما يؤيد حمل الباب هنا على حقيقته أن الأصل حمل ألفاظ الشارع على ظاهرها؛ فلا تُصرف عنه إلا بدليل، وقد نص كثير من أهل العلم على هذه المسألة، كما سبق بيانه في الفتوى: 259621.

ولا يتسع المقام الآن لحصر جميع الأحاديث المتعلقة بباب التوبة، بل سنكتفي من ذلك بما يلي:

1ـ جاء في سنن ابن ماجه، وغيره، عن صفوان بن عسال، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من قِبَل مغرب الشمس بابًا مفتوحًا، عرضه سبعون سنة، فلا يزال ذلك الباب مفتوحًا للتوبة؛ حتى تطلع الشمس من نحوه، فإذا طلعت من نحوه؛ لم ينفع نفسًا إيمانها، لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا. حسنه الشيخ الألباني.

2ـ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: قالت قريش للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربّك أن يجْعل لنا الصّفا ذهبًا، ونؤمن بك! قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم.

فدعا، فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السّلام ويقول: إن شِئت أصبح لهم (الصّفا) ذهبًا، فمن كفر بعد ذلك منهم؛ عذبته عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت، فتحت لهم باب التوبة والرحمة، قال: بل باب التوبة والرحمة. صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني