الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية الرجوع إلى الله بعد التيه والضياع

السؤال

كنت شابًّا محافظا على الصلاة، وعلى قيام الليل والأذكار، وكنت إذا دعوت دعوة في الليل تتحقق في الصباح، وكان لديَّ قبول رهيب بين الناس، وحتى الفتيات يتقربن مني بدون أية محاولة مني.
وبدأت أعصي الله مع أكثر من فتاة، وأفسدهن بأفعال وأقوال حتى العفيفات منهن أفسدهن بسبب الشهوة، وبدأت أترك الصلاة، وأشعر أنها ثقيلة، وبدأت أشعر بأن الناس لا يتقبلونني مثل السابق، وحتى دعائي لا يستجاب، وبدأ الكل يتخلى عني، حتى وصلت مرحلة أشعر فيها أني ضائع، وأريد أن أرجع وأستقيم، ولكني أقول: هل سيغفر الله لي بعد كل الأفعال السيئة؟ وهل يوجد في السير أشخاص كانوا ذوي منزلة عند الله وعصوه، ثم تابوا وتاب عليهم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن للمعاصي آثارا سيئة على صاحبها، وعقوبات آجلة أو عاجلة. فهي من أسباب زوال النعم، وحلول النقم، وراجع المزيد عن هذا الموضوع في الفتوى: 206275.

وبالرغم مما وقعت فيه، فأبشر، ولا تقنط من رحمة الله تعالى، فإن الله تعالى يقبل توبة التائبين، بل ويفرح بها. فقد قال تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}

فاحذر من اليأس، والقنوط من رحمة الله تعالى، وأكثر من الاستغفار، والأعمال الصالحة، وعالج ما تشعر به من الضياع، والفراغ بالتوبة، والاشتغال بما يفيد من طلب علم نافع، وصحبة الصالحين، والإكثار من أنواع العبادات، والانشغال بكسب مشروع ينفعك في دينك، ودنياك. وراجع شروط التوبة في التوبة في الفتوى: 5450.

أما عن سير التائبين، وقصصهم، فهي كثيرة، ولا نحتاج لتسمية شخص بعينه، لكن الله تعالى ذكر أن من صفات المتقين أنهم يبادرون إلى التوبة، والرجوع إلى الله تعالى بعد الوقوع في المعصية، ومن تاب، تاب الله عليه.

فقد جاء في تفسير ابن رجب أثناء ذكر صفات المتقين: ثم وصفهم بأنهم: (إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) ، ولم يصروا عليها. فدل على أن المتقين قد يقع منهم أحيانا كبائر، وهي الفواحش؛ وصغائر، وهي ظلم النفس، لكنهم لا يصرون عليها، بل يذكرون الله عقب وقوعها، ويستغفرونه ويتوبون إليه منها، والتوبة: هي ترك الإصرار.
ومعنى قوله: (ذكروا الله)، أي: ذكروا عظمته، وشدة بطشه، وانتقامه، وما توعد به على المعصية من العقاب، فيوجب ذلك لهم الرجوع في الحال، والاستغفار، وترك الإصرار، وقال الله عز وجل: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). وفي "الصحيحين " عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أذنب عبد ذنبا، فقال: رب إني عملت ذنبا، فاغفر لي، فقال الله: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنبا آخر - إلى أن قال في الرابعة -: فليعمل ما شاء. يعني: ما دام على هذه الحال كلما أذنب ذنبا استغفر منه.

وفي الترمذي من حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما أصر من استغفر، ولو عاد في اليوم سبعين مرة. اهـ

وبخصوص الصلوات المفروضة التي تركتها، فيجب عليك قضاؤها، فإن جهلت عددها، فواصل القضاء حتى تتيقن، أو يغلب على ظنك براءة الذمة، وعن كيفية قضاء الفوائت الكثيرة، انظر الفتوى: 61320.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني