الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إعطاء القروض الحسنة من الزكاة

السؤال

هل يجوزُ لوكيلٍ في الزَّكاة؛ فردًا أو لَجنة وَجَدَ حاجة لشخص يُريد أن يَستدينَ، وله حاجة مُلحة لقرض حسن، هل يجوز له أنْ يُقرضَه من مال الزَّكاة على سبيل الدَّيْن؟ وهو مرجو السَّدَاد مئة بالمئة، وإذا لم يَسُد الدَّيْن، فإنَّ الوكيل يسُدُّ الدَّيْن.
ولكم الشُّكر الجزيل، والثَّواب الكَبير العَظيم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز للمزكي -فضلا عن وكيله- التصرف في مال الزكاة بالإقراض ونحوه، فإن الزكاة ليست ملكا للمزكي حتى يتصرف فيها بالإقراض، بل يجب على المزكي صرف الزكاة للفقراء ونحوهم على وجه التمليك.

ففي بدائع الصنائع للكاساني الحنفي: فركن الزكاة هو إخراج جزء من النصاب إلى الله تعالى، وتسليم ذلك إليه يقطع المالك يده عنه بتمليكه من الفقير، وتسليمه إليه، أو إلى يد من هو نائب عنه، وهو المصدق. والملك للفقير يثبت من الله تعالى، وصاحب المال نائب عن الله تعالى في التمليك والتسليم إلى الفقير، والدليل على ذلك قوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ {التوبة: 104 } .اهـ.

وفي كشاف القناع شرح الإقناع للبهوتي الحنبلي: (ويشترط لملك الفقير لها ) أي الزكاة (وإجزائها عن ربها قبضه لها ، فلا يجزئ غداء الفقراء ولا عشاؤهم) من الزكاة لأنه ليس بإيتاء .اهـ.

وكذلك فإن إخراج الزكاة واجب على الفور، ولا يجوز تأخيره عند جماهير العلماء، والإقراض من مال الزكاة ينافي الفورية في إخراجها.

قال ابن قدامة في المغني: تجب الزكاة على الفور، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه، والتمكن منه، إذا لم يخش ضررا. وبهذا قال الشافعي....، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن الرجل يحول الحول على ماله، فيؤخر عن وقت الزكاة؟ فقال: لا، ولم يؤخر إخراجها؟ وشدد في ذلك. قيل: فابتدأ في إخراجها فجعل يخرج أولاً فأولاً، فقال: لا، بل يخرجها كلها إذا حال الحول. اهـ. وانظر الفتويين: 21220 - 118937.

وقد ذهب بعض المعاصرين إلى جواز إعطاء القروض الحسنة من مال الزكاة، لكن جعلوا ذلك إلى الصناديق المخصصة من الجهات الرسمية، وليس إلى آحاد المزكين أو وكلائهم.

قال د. يوسف القرضاوي في كتابه فقه الزكاة: إعطاء القروض الحسنة من الزكاة: هل يجوز ذلك قياسا للمستقرضين على الغارمين؟؟ أم نقف عند حرفية النص، ولا نجيز ذلك، بناء على أن الغارمين هم الذين استدانوا بالفعل؟ أعتقد أن القياس الصحيح والمقاصد العامة للإسلام في باب الزكاة.. تجيز لنا القول بإقراض المحتاجين من سهم الغارمين. على أن ينظم ذلك وينشأ له صندوق خاص. وبذلك تساهم الزكاة مساهمة عملية في محاربة الربا.. والقضاء على الفوائد الربوية. وهذا ما ذهب إليه الأساتذة: أبو زهرة وخلاف وحسن في بحثهم عن "الزكاة" معللين ذلك بأنه إذا كانت الديون العادلة تؤدى من مال الزكاة، فأولى أن تعطى منه القروض الحسنة الخالية من الربا، لترد إلى بيت المال. فجعلوه من قياس الأولى .اهـ.

ولم نقف على أحد من الفقهاء المتقدمين صرح بمثل هذا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني