الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تأخير قسمة الميراث بسبب السكوت عن المطالبة

السؤال

توفي والدي منذ 20 سنةً، وترك ميراثاً، وتم توزيع الأموال في نفس الوقت، ولكنها كانت مبالغ صغيرة، وترك منزلاً صغيراً عبارة، عن أربعة أدوارٍ، تسكن فيه زوجة أبي، وأخي غير الشقيق ـ الذي يبلغ 15 سنةً، تقريباً ـ ويعيش فيه أيضاً أخي الشقيق المعاق، ولي 3 أخوات ـ 2 شقيقات، وأخت غير شقيقة ـ وأنا الولد الكبير، والورثة هم: زوجة أبي، و3 أبناء، و3 بناتٍ، ولكي يتزوج أخي المعاق في إحدى الشقق في البيت، ولكي يعيش أخي الصغير، وزوجة أبي في شقةٍ أخرى في نفس البيت.... طلبت أن لا يتم تقسيم المنزل، بشرط أن يعيش أخي المعاق وزوجته في شقةٍ، وزوجة أبي، وابنها في شقةٍ أخرى، والشقة الثالثة مؤجرةٌ إيجارا قديماً، والمستأجر للشقة لن يترك الشقة المؤجرة، علماً بأنه لو تم بيع البيت، فلن تستطيع زوجة أبي، ولا أخي المعاق أن يشتروا شقةً بمبلغ الميراث.... وفي تلك الفترة لا توجد شققٌ للإيجار، وقد أخذت موافقة زوجة أبي، وأختي الكبيرة على ذلك، وشقيقتي الأخرى تقول الآن إنها لم تكن على علمٍ بذلك، وأنا لا أتذكر: هل قلت لها ذلك أم لا؟ وهي تريد حقها، وعندما تغيرت الظروف الآن وافقت على بيع المنزل، والتوزيع على الورثة، فهل ما قمت به من تأخير التوزيع حرامٌ، خصوصاً أن أختي تقول إنها غير موافقةٍ على ما قمت به..؟ وإذا كان ما قمت به حراماً، فما هي الطريقة الصحيحة للتكفير عن هذا الموضوع، علما بأنني لم أكسب منه أي مصلحةٍ شخصيةٍ..... وكنت أحاول أن أستر غبية أبي في زوجته، وأحافظ على أخي المعاق، وأخي الصغير حتى يتخرج من الجامعة، علما بأن كل من يعيش خارج البيت كان الوضع المادي لهم معقولا، فليسوا في حاجة إلى مساعدة؟.
وجزاكم الله كل خيرٍ.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دام أن أحد الورثة يطالب بحقه في العقار الموروث، ولا يمكن إعطاؤه حقه إلا بالبيع، فالواجب بيع المنزل، وإعطاؤه حقه، كما فصلناه في الفتوى: 104153.

وأما ما مضى من تأخير قسمة العقار، وهل يحرم عليك ذلك، لكون التأخير وقع بطلبك، وادعاء أختك أنه لم يقع بعلمها؟ هذا لا بد فيه من النظر في سكوتها طوال تلك المدة لمَ لمْ تطالب بحقها، ما دام أنها لم تستشر في تأخير القسمة؟ وقد ذكر أهل العلم أن الأصل في السكوت أنه لا يعتبر إذناً، لكن إذا احتفت به القرائن كان دليلاً على الرضا.

قال الزركشي: السُّكُوتُ بِمُجَرَّدِهِ يُنَزَّل مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِالنُّطْقِ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ لَهُ الْعِصْمَةُ، أَمَّا غَيْرُ الْمَعْصُومِ، فَالأْصْل أَنَّهُ لاَ يُنَزَّل مَنْزِلَةَ نُطْقِهِ، إِلاَّ إِذَا قَامَتْ قَرَائِنُ تَدُل عَلَى الرِّضَا، فَيُنَزَّل مَنْزِلَةَ النُّطْقِ. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: لاَ شَكَّ أَنَّ السُّكُوتَ السَّلْبِيَّ لاَ يَكُونُ دَلِيلاً عَلَى الرِّضَاـ أَوْ عَدَمِهِ، وَلِذَلِكَ تَقْضِي الْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ: لاَ يُسْنَدُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ، وَلَكِنَّ السُّكُوتَ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ، وَذَلِكَ إِذَا صَاحَبَتْهُ قَرَائِنُ، وَظُرُوفٌ بِحَيْثُ خَلَعَتْ عَلَيْهِ ثَوْبَ الدَّلاَلَةِ عَلَى الرِّضَا. اهـ.
فإذا كان سكوتها طيلة تلك الفترة عن المطالبة بحقها في العقار بمحض اختيارها، مع علمها بحقها، ولم يمنعها من المطالبة مانعٌ من إكراهٍ، أو خوفٍ من عُرفٍ جارٍ، أو حياءٍ، فهذا السكوت يعتبر رضاً منها بتأخير القسمة، ومثل هذه الأمور لا بد فيها من سماع أطراف النزاع، ومعرفة تفاصيل التأخير، حتى نحكم بما يترتب عليه من إثمٍ، أو تعويضٍ عن ضررٍ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني