الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوصية بالعفو والصفح للحفاظ على صلة الرحم

السؤال

يزورنا أحد أقارب أمي في البيت، وقد كان مسيئاً لها في طفولتها: يضربها، ويعنفها، ويحتقرها، لدرجة أنها أصبحت مريضة نفسيا بسببه، وهي لا تطيق رؤيته، ولكنها ـبحكم العادات والتقاليدـ تستحيي، أو تخاف أن تطرده، أو تواجهه بمشاعرها الحقيقية، وأريد أن أتصرف نيابةً عنها، حتى لا تشعر بتأنيب الضمير، لكنني رأيت أن أستشير أهل العلم، لأعلم القرار الصواب.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذي نشير به، ونوصي -بعد تقوى الله تعالى- هو: الصبر، والعفو، والصفح، وكظم الغيظ، والحفاظ على صلة الرحم؛ فقطيعة الرحم من الكبائر المهلكة، والمعاصي الموبقة، فقد جاء في صحيح البخاري، وغيره، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاقرؤوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم.

وليس المراد بالصلة: أن يصل الإنسان أرحامه، إذا وصلوه، فهذه مكافأةٌ، بل المراد أن يصلهم، وإن قطعوه، ويحسن إليهم وإن أساءوا إليه، ويعطيهم، وإن منعوه، فتلك هي الصلة التي أمر الله بها، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه، وصلها. رواه البخاري.

وفي صحيح مسلمٍ: أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن لي قرابة أصلهم، ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم، ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم، ما دمت على ذلك.

وفي صحيح مسلمٍ أيضاً: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله.

فانظري كيف أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن من عفا، فإن الله يزيده عزاً بعفوه، ولذلك، فإن الحل هو في العفو والصفح، والتغاضي عن الماضي، وتناسي الأخطاء، وتجاهلها، وخاصةً ما جرى في أيام الطفولة، وطيش الشباب.. فلابد من تجاهل، ونسيان وساوس الشيطان، وما يذكر به من الأخطاء الفائتة، للكيد، والتفريق بين الإخوة، والقطيعة بين ذوي الأرحام، والأقارب؛ قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ {الشورى:40}. وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ {النور:22}.

ومن أخلاق نبينا -صلى الله عليه وسلم- الفاضلة، وكل أخلاقه فاضلة: أنه لاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. كما جاء في الصحيحين.

ومهما فعل هذا القريب بقريبته -أمك- من الأذى، فلن يكون مثل ما فعل إخوة يوسف بيوسف -عليه السلام- فقد وصل بهم الأمر إلى التفريق بينه، وبين أبيه، وإلقائه في بئرٍ مظلمةٍ، حتى بيع بثمنٍ بخسٍ..

وانظري ما حكى الله سبحانه عنه عندما وصل أمره إلى النصر، والعزة، والتمكين، فلم يقابل السيئة بمثلها، وإنما عفا عنهم، وقال لهم ما حكاه لنا القرآن الكريم: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {يوسف:92}.

فالحل مرة أخرى -أختي الكريمة- هو في تقوى الله تعالى، وصلة الرحم، والإحسان.. فقد قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90}.

وسوف تجدون جميعاً نتيجة ذلك -إن شاء الله تعالى- عاجلاً: بانشراح الصدور، وطمأنينة النفوس، وآجلاً: بمغفرة الله تعالى، ورحمته..

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني