الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الضارّ والصبور من أسماء الله الحسنى؟

السؤال

هل "الضارّ"، و"الصبور" من أسماء الله الحسنى؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن ثبوت الأسماء الحسنى مبنيّ على التوقيف على ما جاء في الكتاب والسنة، ولا يلزم من ثبوت صفة لله عز وجل أن يثبت بها اسم.

وقد وقع الخلاف بين أهل العلم في ثبوت اسمي: "الصبور"، و"الضارّ" كأسماء لله عز وجل، مع ثبوتهما له كصفات، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {الأنعام:17}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحَدٌ أصْبَر علَى أذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، يَدَّعُونَ له الوَلَدَ، ثُمَّ يُعافيهم، ويَرْزُقُهُمْ. متفق عليه.

وجاء في الحديث: إنَّ لِلهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ. رواه البخاري، ومسلم، ورواه الترمذي، وغيره، مع زيادة في آخره بسرد الأسماء المشتهرة عند كثير من الناس.

واختلف العلماء في ثبوت هذه الزيادة، وجمهور نقّاد الحديث على ضعف رفعها، وعلى أنها من جمع الرواة، أدرجت في الحديث، وقد سبق تفصيل القول في ذلك في الفتوى: 222880.

ومما ذكر في زيادات رواية الترمذي، وغيره على هذا الحديث اسم "الضارّ"، واسم "الصبور"؛ فلذلك ترجيح ثبوت هذه الأسماء أو عدمه محل بحث وخلاف بين أهل العلم، ولا نعلم نصًّا صريحًا من القرآن، أو من صحيح السنة يصلح لإثبات هذين الاسمين.

وعلى فرض ثبوتهما؛ فإن اسم "الضارّ" من الأسماء المقترنة التي لا تذكر مفردة، بل تقرن بمقابلها، وهو اسم "النافع"، قال ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد: ومنها: ما لا يطلق عليه بمفرده، بل مقرونًا بمقابله؛ كالمانع، والضارّ، والمنتقم؛ فلا يجوز أن يُفرد هذا عن مقابله؛ فإنه مقرونٌ بالمعطي، والنافع، والعفوِّ، فهو المعطي المانع، الضارّ النافع، العفوُّ المنتقم، المعزُّ المذلُّ؛ لأن الكمال في اقتران كلِّ اسم من هذه بما يُقابله؛ لأنه يُرَاد به أنه المنفرد بالربوبية، وتدبير الخلق، والتصرّف فيهم -عطاءً ومنعًا، ونفعًا وضرًّا، وعَفْوًا وانتقامًا-. وأما أن يُثْنى عليه بمجرَّد المنع والانتقام والإضرار؛ فلا يسوغ.

فهذه الأسماء المزدوجة تجري الاسمان منها مجرى الاسم الواحد، الذي يمتنع فَصْل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد؛ ولذلك لم تجئ مفردة، ولم تطلق عليه إلا مقترنة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني