الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترك المسجد المجاور لكون الإمام يُوقِع شيئًا من التكبير في غير محلّه

السؤال

هل جميع الفقهاء والمذاهب الأربعة متّفقون على أن تكبيرات الانتقال محلّها بين الركنين، وكذلك التسميع، والتحميد؟ فقد سمعت فتوى للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يقول فيها: إن بعض ما يفعله الأئمة خطأ، وهو تأخير تكبيرات الانتقال عن محلّها، أو قبل الحركة.
فإذا حاولت نصح الأئمة، فأجد منهم من يقول: المأمومون يسابقونني، أو يقول: إن المشروع هو التكبير، ثم الحركة، فماذا أفعل؟ فأنا حقًّا في حيرة، وضيق، وحرج شديد.
ويوجد مسجد إمامُه يكبّر تكبيرات الانتقال في محلّها، لكنه بعيد عني بمسافة قليلة، وعند الذهاب والمجيء يضيع عليّ الوقت، وقد تضيع عليّ بعض المصالح، فهل ترك المساجد المجاورة لي، والذهاب الى ذلك المسجد، يعدّ من التنطّع أو التشدّد؟ مع العلم أن الإمام الذي بجواري قد يفتي الناس، ويبدو عليه أن عنده قدرًا من العلم، لكنه قد يؤخّر بعض تكبيرات الانتقال إلى قرب الوصول إلى الركن الثاني، فيقع نصف التكبير في ركن الركوع.
أما المسجد الآخر فكلما سألت إمامه عن أسئلة تتعلّق بالصلاة، فيجيب عن واحد منها، ويقول في الباقي: لا أعلم، فتركت الصلاة خلفه؛ لأني أعتقد أنه جاهل؛ فأفيدوني بسرعة -بارك الله فيكم-؛ لأني في ضيق.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن تكبيرات الانتقال سنة عند جمهور الفقهاء، واجبة عند الحنابلة.

وقد استحبّ الفقهاء أن يبدأ تكبير الانتقال من وقت الشروع في الانتقال، ويستمرّ إلى الركن الموالي، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْجَدِيدِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ـ وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِـ اسْتِحْبَابَ التَّكْبِيرِ فِي كُل رُكْنٍ عِنْدَ الشُّرُوعِ، وَمَدَّهُ إِلَى الرُّكْنِ الْمُنْتَقَل إِلَيْهِ؛ حَتَّى لاَ يَخْلُوَ جُزْءٌ مِنْ صَلاَةِ الْمُصَلِّي عَنْ ذِكْرٍ، فَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَشْرَعُ فِي الاِنْتِقَال إِلَى الرُّكُوعِ، وَيَمُدُّهُ حَتَّى يَصِل حَدَّ الرَّاكِعِينَ، ثُمَّ يَشْرَعُ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ، وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَشْرَعُ فِي الْهُوِيِّ إِلَى السُّجُودِ، وَيَمُدُّهُ حَتَّى يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الأْرْضِ، ثُمَّ يَشْرَعُ فِي تَسْبِيحِ السُّجُودِ، وَهَكَذَا يَشْرَعُ فِي التَّكْبِيرِ لِلْقِيَامِ مِنَ التَّشَهُّدِ الأْوَّل حِينَ يَشْرَعُ فِي الاِنْتِقَال، وَيَمُدُّهُ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا. اهـ.

وفي نفي إبطال الصلاة بكون جزء من التكبير قبل الانتقال أو بعده، يقول الشيخ العثيمين في الشرح الممتع: القول بأنه إن كمَّلَه بعد وصول الرُّكوع، أو بدأ به قبل الانحناء يُبطلُ الصَّلاةَ، فيه مشقَّةٌ على النَّاس؛ لأنك لو تأمّلت أحوال الناس اليوم لوجدت كثيرًا مِن النَّاسِ لا يعملون بهذا، فمنهم من يكبِّرُ قبل أن يتحرَّك بالهوي، ومنهم مَن يَصِلُ إلى الرُّكوعِ قبل أن يُكمل.

وقال فيه أيضًا: إذن، نقول: كَبِّرْ مِن حين أن تهويَ، واحرصْ على أن تنتهي قبل أن تَصِلَ إلى الرُّكوع، ولكن لو وصلت إلى الرُّكوع قبل أن تنتهي؛ فلا حرجَ عليك.

والقولُ بأن الصَّلاةَ تفسدُ بذلك حَرَج، ولا يمكن أن يُعملَ به إلا بمشقَّةٍ.

فالصوابُ: أنه إذا ابتدأ التَّكبيرَ قبل الهوي إِلى الرُّكوعِ، وأتمَّه بعدَه؛ فلا حرج، ولو ابتدأه حين الهوي، وأتمَّه بعد وصولِهِ إلى الرُّكوعِ؛ فلا حَرَجَ، لكن الأفضل أن يكون فيما بين الرُّكنين، بحسب الإمكان. اهـ.

وترك المسجد المجاور لك بحثًا عن إمام صلاته أكمل، ليس من التنطّع، وإن كنا نرجّح الاستمرار بالصلاة في مسجدك، والنصح والتواصي بالحقّ مع إمامه وأهله بالكلمة الطيبة، ففي ذلك منافع، ومصالح شرعية كثيرة.

وقد سبق القول في الفتوى: 213646أنه لا ينبغي البتة ترك الصلاة خلف إمام يأتي بالتكبير أو التسميع في غير محلّه، بل يبيّن له بلِين ورِفق، ويُعلّم السنة في ذلك، ويُنصَح بالخروج من خلاف العلماء، ويعرف أن بعضهم قال ببطلان الصلاة في حق من تعمّد هذا الفعل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني