الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية الكفارة عند تعدد الأيمان

السؤال

حلفت كثيرا على القرآن، وعاهدت الله بقول: والله لدراستي أنا كنت طالبة متفوقة، لكن عندما دخلت الثانوية العامة بدأت مذاكرتي تقل، وكان عندي ظروف مما جعلني أبتعد عن دراستي، وبدأت أميل للهاتف، وأدمنته، ثم انتبهت لنفسي، وحلفت أنني لن أتصفح. مع العلم أنني لا أتصفح المواقع المخلة للآداب، فقط برامج عادية، فحلفت بالله أن أتركه كثيرا، وحلفت على القرآن أنني سأتركه، وكل مرة أتوب إلى الله توبة نصوحا. البارحة عدت وحلفت أن ألتزم بدراستي؛ لأن امتحاناتي قد اقتربت، وقررت في الحلفان نوم ثلاث ساعات، لكنني أخذني النوم، ونمت ست ساعات. فماذا أفعل؟ ما كفارتي؟
مع العلم أنني غير مقتدرة ماديًّا؛ لأنني لازلت آخذ المال من والدي، كمصروف يومي نصف دينار، وأجعله لاحتياجاتي الدراسية التي لا أطلبها من والدي. فماذا أفعل؟ دائما أتوب وأقوم ليلًا، وأختلي وأدعو الله. فماذا أفعل في أمري؟
تعبت من نفسي، أريد أن أدخل كلية الطب؛ لكني بليت بنفسي. أنا مواظبة على الصلاة، وقراءة القرآن، وأذكار الصباح والمساء، والنوم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذه الطريقة ليست وسيلة مشروعة لمعالجة النفس ومجاهدتها، فالمسلم لا ينبغي له أن يكثر من الحلف، فإن كثرة الحلف تحرج الحالف، وتضيق عليه، وربما عرضته لعدم حفظ اليمين المأمور به شرعًا، قال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}.

قال ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: جرى معتادهم بأن يقسموا إذا أرادوا تحقيق الخبر، أو إلجاء أنفسهم إلى عمل يعزمون عليه لئلا يندموا عن عزمهم، فكان في قوله {واحفظوا أيمانكم} زجر لهم عن تلك العادة السخيفة. وهذا الأمر يستلزم الأمر بالإقلال من الحلف لئلا يعرض الحالف نفسه للحنث. والكفارة ما هي إلا خروج من الإثم. وقد قال تعالى لأيوب عليه السلام {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} فنزهه عن الحنث بفتوى خصه بها. اهـ.

وعلى كل حال: فإن الحنث في اليمين على ترك الجوال، أو على الالتزام بالمذاكرة؛ ليس بمحرم أصلا، ولا إثم فيه، لأنه ليس يمينًا على فعل واجب، أو ترك محرم.

جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني: (فمن حلف على فعل مكروه أو) حلف على (ترك مندوب، سُنَّ حِنْثُهُ، وكُرِهَ بِرُّهُ) لما يترتب على بره من ترك المندوب قادرا (و) من حلف (على فعل مندوب، أو ترك مكروه، كُرِهَ حِنْثُه، وسُنَّ بِرُّه) لما يترتب على بره من الثواب بفعل المندوب، وترك المكروه امتثالا. (و) من حلف (على فعل واجب، أو على ترك محرم، حَرُمَ حِنْثُه) لما فيه من ترك الواجب، أو فعل المحرم، (ووجب بِرُّه) لما مر.
(و) من حلف (على فعل محرم، أو ترك واجب، وجب حنثه) لئلا يأثم بفعل المحرم، أو ترك الواجب (وحَرُم بِرُّه لما سبق).
(ويخير) من حلف (في مباح) ليفعلنه، أو لا يفعله بين حنثه وبره (وحفظها فيه أولى) من حنثه؛ لقوله تعالى: {واحفظوا أيمانكم} [المائدة: 89]. اهـ.

والمعاهدة على التزام ما ليس قربة يعتبر يمينًا، كما سبق في الفتوى: 135742.

وإذا حنثت في تلك الأيمان والمعاهدات؛ فإنه تلزمك وتكفيك كفارة يمين واحدة للجميع.

جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني: (ومن لزمته أيمان موجبها واحد ولو على أفعال) نحو: والله لا دخلت دار فلان، والله لا أكلت كذا، والله لا لبست كذا، وحنث في الكل (قبل تكفير)، (فكفارة واحدة) نصا؛ لأنها كفارة من جنس، فتداخلت كلها كالحدود من جنس - وإن اختلفت محالها - كما لو زنا بنساء أو سرق من جماعة (وكذا حلف بنذور مكررة) أن لا يفعل كذا وفعله، أجزأه كفارة واحدة؛ لأن الكفارة للزجر والتطهير، فهي كالحدود، بخلاف الطلاق.
(وإن حنث في يمين واحدة وكفر عنها، ثم حلف) يمينا (أخرى، لزمته) كفارة (ثانية) وكذا لو كفر عن الثانية ثم حلف يمينا أخرى، لزمته كفارة ثالثة (وهلم جرا) لوجوب كل واحدة عليه بالحنث بعد أن كفر عن التي قبلها، كما لو وطئ في نهار رمضان فكفر، ثم وطئ فيه أخرى، بخلاف ما لو حنث في الكل قبل أن يكفر كما تقدم .اهـ.

وانظري في هذا الفتوى: 394996.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني