الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جمع الصلوات للحاجة ولدفع الحرج

السؤال

أنا طالب في ثانوية رسمية، ودوام الثانوية من 1:30 حتى 7:30 مساء. وعلى خلاف السنة الماضية منعنا من الصلاة، ونحن قلة قليلة من المسلمين. وفي الدوام تفوتني صلاة العصر، وصلاة المغرب. فماذا أفعل؟
وإن كان لا بد من الصلاة في وقتها. فهل الأصح ترك المدرسة، على الرغم من أن أبي يعترض بشدة. فهل أخالف أمر أبي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالواجب عليك أن تصلي الصلوات المفروضة في أوقاتها؛ ولا يجوز لك تأخير الصلاة عن وقتها بسبب الدراسة، ولا سيما إذا كانت المدرسة تمنعك من صلاة العصر حتى يدخل وقت المغرب؛ فهذا لا يجوز بحال؛ فإنّ الجمع بين العصر والمغرب غير جائز بلا خلاف.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر والمغرب، والعشاء والصبح، ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك. انتهى.

فإن كنت لا تتمكن في هذه المدرسة من أداء صلاة العصر قبل دخول وقت المغرب؛ فنرجو أن يسعك العمل بقول مَن يُجيز الجمع للحاجة؛ فتجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر، وتجمع بين المغرب والعشاء في وقت العشاء.

فقد جاء في شرح مسلم للإمام النووي عند شرحه لحديث ابن عباس: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، قُلْتُ: -الراوي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ- لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْلَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: أراد ألا يحرج أحدًا من أمته.

وبعد أن استعرض النووي أقوال العلماء حول هذا الحديث وضعَّفها، ختمها بهذا القول كالمرجح له، فقال: وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ لِمَنْ لا يتخذه عادة. وهو قول ابن سِيرِينَ، وَأَشْهَبَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْقَفَّالِ وَالشَّاشِيُّ الْكَبِيرُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أصحاب الحديث. واختاره ابن المنذر. ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد ألا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ؛ فَلَمْ يُعَلِّلْهُ بِمَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.

وراجع الفتوى: 142323.

وعلى ذلك، فيجوز لك الأخذ بهذا القول عند الحاجة، أو وجود الحرج ما دمت محتاجًا إليه ما لم تتخذه عادة؛ لأن القائلين به لم يحددوا زمنا للحاجة، أو وجود الحرج.

ومن المعلوم عندهم أن الحكم يدور مع علته وجودا أو عدما؛ فمادام الحرج موجودًا، والحاجة قائمة؛ فإن الجمع مشروع، فالجمع إنما شرع لأجل الحاجة، ورفع الحرج.

كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وَإِنَّمَا كَانَ الْجَمْعُ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ أُمَّتِهِ، فَإِذَا احْتَاجُوا إلَى الْجَمْعِ جَمَعُوا. انتهى.

والحاصل أنه يجوز لك الجمع بين مشتركتي الوقت، نظرا للحاجة، ورفعا للحرج، والخلاف مع أبيك، أو ترك المدرسة، وكلها أسباب تبيح لك الأخذ بالقول بالجمع.

أمّا إذا لم يكن بإمكانك الجمع على الصورة التي ذكرناها لك، ولا يسمح لك بالاستئذان أثناء الدراسة لتخرج في حاجتك ومن ثم تؤدي الصلاة وتعود، وكان بقاؤك في هذه المدرسة يلزم منه تأخير صلاة العصر حتى يدخل وقت المغرب. فاترك هذه المدرسة، وابحث عن غيرها من المدارس التي لا تمنعك من الصلاة.

وإذا رفض أبوك تركك لهذه المدرسة؛ فتفاهم معه برفق وأدب، وبيِّن له ما ذكرناه لك من تحريم تأخير الصلاة عن وقتها، وأَطْلعه على كلام أهل العلم في شأن الصلاة، وعظم قدرها في الإسلام، وخطر التهاون فيها.

فإن أصرّ أبوك على الرفض؛ فلا تلزمك طاعته في البقاء في هذه المدرسة -والحالة هذه-؛ فالطاعة لا تكون إلا في المعروف، وراجع الفتوى: 76303.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني