الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في إقامة حفل إنشادي مع ضرب الدف لتكريم المتفوقين في المسجد

السؤال

تقام دورات لتحفيظ القرآن للأطفال، وفي نهاية الدورة يقيمون احتفالا لتكريم المتفوقين، ويكون هناك إنشاد، وضرب للدف.
هل يجوز أن نحضر هذا الحفل، مع العلم أنه يقام في قَبْوِ المسجد، حيث تقام فيه هذه الدورات، ولا يفتح في الصلوات الخمس، ولكن يفتح لصلاة الجمعة، وشكله مشابه لشكل المسجد.
فهل يعد من ملحقات المسجد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن قبو المسجد الموقوف، يعتبر جزءا من المسجد، وله أحكام المسجد.

جاء في الدر المختار للحصكفي: (وإذا جعل تحته سردابا لمصالحه) أي المسجد (جاز) كمسجد القدس (ولو جعل لغيرها، أو) جعل (فوقه بيتا وجعل باب المسجد إلى طريق، وعزله عن ملكه، لا) يكون مسجدا. اهـ.

وفي حاشية ابن عابدين: (قوله: أو جعل فوقه بيتا إلخ) ظاهره أنه لا فرق بين أن يكون البيت للمسجد أو لا، إلا أنه يؤخذ من التعليل أن محل عدم كونه مسجدا فيما إذا لم يكن وقفا على مصالح المسجد. وبه صرح في الإسعاف، فقال: وإذا كان السرداب أو العلو لمصالح المسجد، أو كانا وقفا عليه، صار مسجدا. شرنبلالية. اهـ.

وقال النووي في المجموع: للإمام والمأموم في المكان ثلاثة أحوال: (أحدها) أن يكونا في مسجد، فيصح الاقتداء، سواء قربت المسافة بينهما أم بعدت؛ لكبر المسجد. وسواء اتحد البناء أم اختلف كصحن المسجد، وصفَّته وسرداب فيه، وبئر مع سطحه وساحته، والمنارة التي هي من المسجد. تصح الصلاة في كل هذه الصور وما أشبهها، إذا علم صلاة الإمام ولم يتقدم عليه. اهـ.

وجاء في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى للرحيباني: (ومن المسجد ظهره)، أي: سطحه، (ومنه رحبته المحوطة). اهـ.

والقبو كالسطح، ولا فرق بينهما.

فينبغي صيانة قبو المسجد عن الغناء -الإنشاد-، وعن ضرب الدفوف فيه.

قال الحجاوي -الحنبلي- في الإقناع: ويسن أن يصان من صغير لا يميز لغير مصلحة... وعن رفع الصبيان أصواتهم بالعب وغيره، وعن مزامير الشيطان: الغناء والتصفيق، والضرب بالدفوف. اهـ.

وظاهر كلامه أن الإنشاد وضرب الدف في المسجد ليس بمحرم.

وهذا ما صرح به بعض العلماء.

قال ابن قاضي عجلون الشافعي -كما في تشييد الاختيار لتحريم الطبل والمزمار لابن طولون-: إنما يحرم من الطبل اللهو وهو الكوبة، وهو طبل مستطيل ضيق الوسط، واسع الطرفين يعتاد ضربه المخنثون. قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله حرم الخمر والميسر، والكوبة» وأما غيرها من الطبول فمباح ...

وقد أباح -صلى الله عليه وسلم- ضرب الدف على النكاح في المسجد. روى الترمذي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدف، فشمل ذلك ضربه في المسجد ...

وفي الحديث الشريف أن الحبشة لعبوا بحرابهم في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليهم، بل كان ينظر. ولما زجرهم عمر -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم- :«أمنا يا بني أرفدة» يعني من الأمن.
قال حجة الإسلام الغزالي: في هذا الحديث أنواع من الرخص.

منها: اللعب، ولا يخفى عادة الحبشة في الرقص واللعب.

ومنها: فعل ذلك في المسجد.

ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: دونكم بني أرفدة، وهو أمر باللعب، والتماس له.

-قال ابن قاضي عجلون-: وإذا جاز اللعب المذكور في المسجد، فضرب الطبل لمذكور منها، بل أولى بالإباحة. اهـ.

بينما ذهب بعض العلماء إلى تحريم ذلك.

جاء في الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للسيوطي: ومن ذلك الرقص، والغناء في المساجد، وضرب الدف أو الرباب، أو غير ذلك من آلات الطرب.
فمن فعل ذلك في المسجد، فهو مبتدع، ضال، مستحق للطرد والضرب؛ لأنه استخف بما أمر الله بتعظيمه، قال الله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع «أي تعظم» ويذكر فيها اسمه)، أي يتلى فيها كتابه. وبيوت الله هي المساجد؛ وقد أمر الله بتعظيمها، وصيانتها عن الأقذار، والأوساخ، والصبيان، والمخاط، والثوم، والبصل، وإنشاد الشعر فيها، والغناء والرقص؛ فمن غنى فيها أو رقص فهو مبتدع، ضال مضل، مستحق للعقوبة. اهـ.

وهذا ما سبق أن أفتينا به في الفتويين: 121011- 114418.

فالأحوط عدم حضور هذا الحفل، لكن إن أحببت الأخذ بقول من يرى عدم التحريم فلا حرج، لا سيما إن كان في ذلك مصلحة؛ كزيادة رغبة الأبناء في حفظ القرآن الكريم، ومحبتهم لدروات التحفيظ.

وقد ذكر جمع من العلماء: أن المستفتي له أن يتخير في مسائل الخلاف السائغ -ما دام لم يصل ذلك إلى حد تتبع الرخص-.

جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي: (وله) أي المفتي (تخيير من استفتاه بين قوله، وقول مخالفه)؛ لأن المستفتي يجوز له أن يتخير وإن لم يخيره.

وقد سئل أحمد عن مسألة في الطلاق؟ فقال: إن فعل حنث. فقال السائل: إن أفتاني إنسان لا أحنث. قال: تعرف حلقة المدنيين؟ قال: فإن أفتوني حل؟ قال: نعم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني