الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الآباء والأبناء مسؤولون عن تقصيرهم في حقوق بعضهم

السؤال

والدي طلّق أمي منذ 18 سنة، ونحن تسعة أشخاص، وكان عمر أكبرنا حينها 20 سنة، ولم ينفق علينا، وإنما أوكل نفقتنا شبه الكاملة إلى أخي الأكبر، ولم يتعهدنا بالرعاية، وبقيت أمّي المربية لنا، وقد كان قاسيًا علينا؛ مما أدّى إلى أننا فقدنا طاعته بسبب معاملته لنا، وكان دائمًا يسبّ أمّي، وينهرها أمامنا، وقد كبرنا الآن، وأصبح -ولله الحمد- أصغرنا عمره 19 سنة، وأصبح لدى إخوتي مصدر دخل،وهم يتعهدون أمّي بالمال.
أما أبي فلا، وإن أعطوه فعلى مضض من باب إسقاط فرض الطاعة، وأبي قد يبس عوده، ولي من خالتي خمسة إخوة من أبي، وهم ما زالوا صغارًا غير قادرين على العمل، وإخوتي لا يحبّون أبي، وأريد أن أقربهم لحبّه وطاعته، فلا أبي يقبل، ولا إخوتي، وبعض إخوتي يتكلمون عنه، ويغلظون في الردّ عليه، وهو يدعو عليهم، فأرجو منكم التفضل بفتوى لي ولإخوتي، وما العمل؟ فإني أخاف أن تصيبهم من الله المصائب لعدم طاعتهم، مع أن أبي مقصّر في حقهم، ولا يريد أن يعمل لنا شيئًا إلا بمقابل من المال، وهمّه الكبير في هذه الحياة المال. جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فإن عليكم أن تعلموا أن تقصير الوالد في حقّكم، لا يسقط حقه عليكم من البرّ؛ فبرّ الوالدين من أوجب الواجبات، التي لا يسقطها شيء حتى الكفر، قال تعالى في حق الأبوين الكافرين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (لقمان:15)، فأمر بمصاحبتهما بالمعروف مع أنهما كافران.

وكما أن الوالد مسؤول أمام الله عز وجل عن تقصيره في حق أولاده، فالأولاد كذلك مسؤولون أمام الله عز وجل عن تقصيرهم في حق أبيهم، فكلٌّ سيسأل عما أوجبه الله عليه.

وما يفعله إخوتك من غيبة أبيهم، وإغلاظ القول له، أمر محرم، ومن كبائر الذنوب، فالواجب عليهم التوبة من ذلك، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (الإسراء:23-24).

وأما الإنفاق على أبيكم: فإنه إن كان فقيرًا، وكان أبناؤه موسرين، وجب عليهم أن ينفقوا عليه، وعلى زوجته، وعياله الصغار، وانظر هاتين الفتويين: 20338، 21080.

ونصيحتنا لأبيكم أن يتوب إلى الله عز وجل من التقصير في حقّكم، وعدم الإنفاق عليكم، وسبّ أمّكم وإهانتها.

ونذكّره بأنه سيقف بين يدي ربه -سبحانه- حافيًا عاريًا، لا يجد له من دون الله وليًّا ولا نصيرًا.

ونذكّره بأن شؤم الدعاء على أولاده، قد يلحقه هو؛ لذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم. رواه مسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني