الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مساعدة المسافر ومصاحبته إذا كان قد يعمل بعض المحرمات

السؤال

إذا جمعت أشخاصا للسفر في دولة ما، بنية السياحة الحلال، والاستئناس بالصحبة معهم، مع معرفتي أن بعضهم قد يزني، ويشرب الخمر، مستغلا توفره في السفر. هل آثم معهم، رغم أن نيتي فقط الاستئناس بالصحبة، وقد ساعدتهم للسفر، ولم أساعدهم تحديدا في إيجاد المنكرات؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإذا لم يغلب على ظنك ارتكاب بعض هؤلاء للفواحش إذا هم سافرو معك؛ فلا بأس أن تساعدهم على السفر لغرض السياحة المباحة. ومع ذلك ننصحك أن لا تصحب من لا يتقي ربه، وقد يبارز مولاه بالمعاصي بمجرد أن تسنح له الفرصة، فقد حذر الشرع من مصاحبة أهل الشر، ومثل لذلك بمثل يوجب التنفير منهم، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة.

وقد نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مصاحبة غير المؤمنين، ومخالطة غير المتقين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. رواه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه.

قال الحافظ المناوي في شرحه لهذا الحديث في كتابه: (التيسير بشرح الجامع الصغير): لَا تصاحب الا مُؤمنًا، وكامل الايمان أولى؛ لأن الطباع سرَّاقَة، وَلذَلِك قيل:
وَلَا يصحب الانسان إلا نَظِيره ... وإن لم يَكُونُوا من قبيل وَلَا بلد
فصحبة الاخيار تورث الْفَلاح والنجاح، وَمُجَرَّد النّظر الى أهل الصّلاح يُؤثر صلاحًا، وَالنَّظَر الى الصُّور يُؤثر أَخْلَاقًا وعقائد مُنَاسبَة لخلق المنظور وعقيدته، كدوام النّظر الى المحزون يحزن، والى المسرور يسر، والجمل الشرود يصير ذلولاً بمقارنة الذلول، فالمقارنة لَهَا تَأْثِير فِي الْحَيَوَان بل فِي النَّبَات والجماد، فَفِي النُّفُوس أولى، وإنما سمي الإنسان إنسانًا لأنه يأنس بِمَا يرَاهُ من خير وَشر. انتهى.

ويستثنى من النهي عن صحبة الفساق ما إذا كانت مصاحبتهم لأجل النصيحة، والدعوة إلى الخير، مع أمن التضرر، والتأثر بهم، والانجرار إلى المعاصي بسببهم، فهذا مما يندب، وقد يجب بحسب طمع العبد في هدايتهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الدين النصيحة. رواه مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه.

وقد سبق لنا بيان أضرار ومخاطر رفقاء السوء، وبيان أثر الجليس الصالح، والجليس السوء، في الفتاوى التالية أرقامها: 69563، 76546، 24857، 34807.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني