الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج السهو وكثرة النسيان في الصلاة

السؤال

أسهو في الصلاة، ولا أعرف كم ركعة صليت، أو حتى هل قرأت الفاتحة أم لا؟ مع العلم أن صلاتي سريعة، رغم محاولاتي لتحسينها، لكن كلها محاولات فاشلة. فماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الذي عليك فعله هو الاستعانة بالله -تعالى- والاعتناء بأمر الصلاة.

فعليك عند القيام إليها أن تحسني الطهارة، وتسبغي الوضوء، وتؤدي الفرائض بطمأنينة وخشوع.

وعليك أن تجاهدي نفسك على الخشوع فيها، وذلك باستشعار عظمة الوقوف بين يدي الله تعالى، وأنك تناجينه سبحانه وتعالى. كما جاء في حديث أبي هريرة مرفوعا: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تستوي قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها. متفق عليه.

وروى مسلم في صحيحه من حديث عُثْمَانَ -رضي الله عنه- أنه دَعَا بِطَهُورٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ. اهـ.

وفي الحديث: إن أَحدَكم إذا قام في الصلاة فإنه يناجى ربَّه. وفي رواية: إن المصليَ يناجي ربه -عزِ وجل- فلينظر أحدكم بما يناجي ربه... الحديث. رواه الإمام أحمد في المسند، وحَسَّن أحمد شاكر إسناده، وله أصل في الصحيحين.

وقال الأخضري في مختصره: فَإِذَا أَتَيْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَفَرِّغْ قَلْبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَاشْتَغِلَ بِمُرَاقَبَةِ مَوْلَاكَ الَّذِي تُصَلِّى لِوَجْهِهِ. وَاعْتَقِدْ أَنَّ الصَّلَاةَ خُشُوعٌ، وَتَوَاضُعٌ لِلَّهِ -سُبْحَانَهُ- بِالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِجْلَالٌ وَتَعْظِيمٌ لَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ.

فَحَافَظَ عَلَى صَلَاتِكَ فَإِنَّهَا أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ، وَلَا تَتْرُكِ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِقَلْبِكَ وَيَشْغَلُكَ عَنْ صَلَاتِكَ حَتَّى يَطْمِسَ قَلْبَكَ، وَيَحْرِمَكَ مِنْ لَذَّةِ أَنْوَارِ الصَّلَاةِ.

فَعَلَيْكَ بِدَوَامِ الْخُشُوعِ فِيهَا؛ فَإِنَّهَا تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ بِسَبَبِ الْخُشُوعِ فِيهَا، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ إِنَّهُ خَيْرُ مُسْتَعَانٍ. انتهى.

وأما قولك: (أسهو في الصلاة حتى لا أعرف هل قرأت الفاتحة) فلعل ذلك -والله أعلم- من الأوهام والوساوس؛ فإن كان ذلك كثيرا حتى صار كالوسواس، فإن الراجح فيه من أقوال أهل العلم أنه لا يلتفت إليه، رفعا للحرج، ودفعا للمشقة.

وانظري الفتوى: 22408.

أما إن كان سهوا طبيعيا؛ فإن المصلي إذا سهى وشك هل صلى اثنتين أو ثلاثا؟ فإن الواجب عليه أن يبني على اليقين، وهو اعتبار الأقل؛ فيكمل عليه بقية صلاته، ثم يسجد للسهو.

وذلك لما جاء في الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ.

وعن الشك في قراءة الفاتحة، انظري الفتوى: 43045، والفتوى: 44845.

وأما الإسراع في الصلاة؛ فإذا كان يخل بركن الطمأنينة، فإن الصلاة تبطل به, وإذا كان إسراعا لا يخل بالطمأنينة بحيث تستقرين في الركوع والسجود بقدر التسبيح، فالصلاة صحيحة -إن شاء الله تعالى-، فالطمأنينة من أركان الصلاة وفرائضها في الركوع والاعتدال منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، وأقلها كما قال العلماء: سكون الأعضاء بقدر قول: سبحان الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني