الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يسقط دين الأم على ابنها مقابل ما كان يساعدها به من أمواله؟

السؤال

أعيش أنا وأخي وأمي في بلد أوروبي، وأمي موسرة جدًّا ماديًّا، ومنذ صغري وأمي تعاملني بطريقة مختلفة جدا عن باقي إخوتي، وهذا ينعكس في التعامل، وفي الأمور المادية أيضًا، ولاحظ الكثير من الناس هذه التصرفات، وقد علَّقوا على هذا سابقًا.
وقد حاولت جاهدًا أن أبرها امتثالًا لأمر الله، فقد قامت بمساعدتي في دراستي الجامعية، نظرًا لحالتها المادية الجيدة، ولكنها توقفت عن هذا بعد سنتين بدون مبرر، فاضطررت إلى الدين من أقاربي، لأكمل ما بقي لي حتى تخرجت، وعليَّ مبلغ يقارب: 15،000 ريال، وقد طلبت من جميع من كان حولي إقراضي هذا المبلغ، وحتى من أمي، ولكنني لم أستطع أن آتي بالمبلغ حتى كلمتني جدتي -والدة أمي-، وعرضت عليَّ أن تقرضني هذا المبلغ بشرط التوقيع على شيكات وأوراق رسمية، بسداده في نفس هذه الفترة، وقد قامت أمي بدفع جميع أقساط أخي الأصغر الجامعية إلى أن تخرّج من الجامعة، بينما انتقلت أنا إلى العيش معها، وكنت أعطيها 1،500 ريال شهريا كمساعدة، كانت تطلبها مني، مع يسر حالها، وبعد سنة على هذه الحال، اكتشفت أن المبلغ الذي اقترضته من جدتي، أعطته أمي لجدتي لتقرضني إياه.
وسؤالي الآن:
1ـ كنت قد أعطيت أمي مبلغا مجموعه أكثر من: 15،000 ريال، كمساعدة طوال هذه السنة، ولم تقم بخصمه من الدّين، ولم أطلب ذلك، لعدم علمي أن المبلغ المقترض أصلًا لها.
2ـ كما قد ذكرت، دفعت أمي رسوم دراسة أخي كاملة، والتي كانت تعادل أكثر من ضعفي ما دفعته عني، ولم تعطه المال قرضًا كما فعلت معي، وأنا أذكر حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن عدم التفرقة بين الأبناء، مع ذكر النقطتين اللتين ذكرتهما، فهل يسقط عني الدين؟ أم عليَّ سداده؟ مع العلم أن دخلي محدود، ومع ذلك تقوم بالضغط عليَّ.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا بد من التنبه إلى أمر مهم، وهو: أن الوالد في الغالب غير متهم في محبة ولده، والشفقة عليه، وحب الخير له، وما يتخيل إلى بعض الأبناء مما هو خلاف ذلك، إنما هو أوهام، ووساوس، لا أساس لها من الصحة غالبا.

وعلى فرض أن أمك قصرت في أمرٍ تجاهك، أو فضلت عليك بعض إخوانك، فهذا لا يسقط حقّها العظيم عليك في البر والإحسان، وقد عقد البخاري في كتابه: الأدب المفرد، بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما. وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين -يعني: من الجنة- وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. انتهى.

فالواجب عليك برّ أمّك، والإحسان إليها على كل حال.

وبخصوص سؤالك: فقد سبق أن بيَّنا في كثير من الفتاوى؛ أنّ نفقات الدراسة الجامعية لا تدخل في النفقة الواجبة على الوالد، ولكنها تبرع وإحسان، وانظر الفتوى: 59707.

والمفتى به عندنا؛ وجوب التسوية بين الأولاد في الهبات والعطايا، ما لم يكن لبعضهم حاجة تقتضي تفضيله، فإن كانت أمّك خصت أخاك الأصغر بالإنفاق عليه في الدراسة الجامعية حتى أتمّها؛ فربما كان لها مسوّغ في تخصيصه، وراجع الفتوى: 6242.

وعلى فرض أنّ أمّك خصّت أخاك بالتفضيل دون مسوّغ، وأنك علمت أنّ أمّك أعطت لجدتك المال لتقرضك، وكذا إعطاؤك أمك مبلغًا من المال كل شهر مساعدة، بناء على طلبها؛ كل ذلك لا يسقط عنك قضاء الدين الذي استَدَنْتَه من جَدَّتِك. فعليك قضاء الدين متى قدرت عليه؛ إلا إذا أبرأَتْك جدتك منه.

ولك أن تطالبها بأدب ورفق بالعدل بينك وبينك إخوانك، وتبين لها الحكم الشرعي بحكمة، وموعظة حسنة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني