الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من هجر المسلم فوق ثلاث لغير سبب شرعي

السؤال

أنا فتاة كانت لي صديقتان، وقد مرضت في العام الماضي، وأجبرت على ترك الدراسة، ولم نعد نتقابل.
تخاصمت معهما؛ لأنهما لا تزوراني رغم القرابة الكبيرة التي كانت بيننا. تفاجأت من نسيانهما لي عندما كنت في حالة ضعف كبيرة، وتمنيت أن تكونا بجانبي، دُمرت ولم أجدهما أمامي في محنتي، مع العلم أنهما تعلمان بحالي، وأني مريضة ولا أستطيع الذهاب إليهما، أو الخروج من المنزل، فخاصمتهما وقطعت علاقتي بهما.
فهل آثم علي فعلي؟ وهل يغفر لي كل اثنين وخميس أم لا؟!

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله -عز وجل- أن ينعم عليك بالصحة والعافية، وأن يجعل هذا المرض كفارة لذنوبك، ورفعة لدرجاتك.

ولا شك في أنه من مقتضى الأخوة الإسلامية أن يعود المسلم أخاه المسلم إذا مرض.

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « حق المسلم على المسلم ست». قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: « إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس - فحمد الله - فسمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه».

ومعنى سمته: ادع له بالخير والبركة.

ويتأكد المنع من الهجر في حق من بينهما علاقة خاصة سواء كانت مجرد صداقة، أو رحم تجب صلتها وتحرم قطيعتها.

وقد جاء الشرع الحكيم بالنهي عن التهاجر بين المسلمين فوق ثلاث ليال، لغير غرض معتبر شرعا.

روى البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا. وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

وهو محمول على الهجر للدنيا وحظ النفس، لا لدين أو مضرة.

قال ابن عبد البر في التمهيد: وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ إلا أن يكون يخاف من مكالمته، وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه.... انتهى.

فمخاصمتك لصديقتيك للسبب المذكور لا يجوز، وهو من أسباب المنع من المغفرة في الحديث الذي أشرت إليه.

نعني حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس. فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا.

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: أخروا مغفرتهما من ذنوبهما مطلقا، زجرا لهما أو من ذنب الهجران فقط ..

والظاهر أن مغفرة كل واحد متوقفة على صفائه وزوال عداوته، سواء صفا لصاحبه أم لا. انتهى.

فاعملي على صلة صديقتيك، وترك الخصومة والهجران.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني