الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تُزَوِّج المرأةُ نفسَها بكرًا كانت أم ثَيِّبًا

السؤال

أحببت شابا، ووقعنا في الزنا، ثم تقدم لأهلي، وتم رفضه فقط لأنه تعرف عليَّ، وهم يريدون زواج صالونات. ثم تبت، وقطعت علاقتي به، وقبلت بخطبة من جانبهم، ولم أكن يوما سعيدة، ولكن كنت أتحمل، وأقنع نفسي أن ذلك بسبب ذنبي، وقد ندمت كثيرا، ولم أخن خطيبي، ولو في خيالي.
وبعد سنتين وجد حسابًا قديمًا لي، وقرأ المراسلة، وعلم بما فعلت، وأخبر أهلي، وفسخ الخطوبة بفضيحة.
تواصلت مع حبيبي السابق، ودعمني نفسيا. وبعد فترة حاول خطيبي الرجوع، ولكني رفضت بشدة؛ لأني لم أخنه، وفضحني، ولم أكن في الأساس يومًا سعيدة معه، ومعاملته كانت سيئة جدًّا لي.
عرض عليَّ حبيبي التقدم لأهلي، ولكني أعلم جيدا أنهم لن يوافقوا عليه لنفس السبب، لأنه تعرف عليَّ، وليس من اختيارهم.
والآن بعد مدة أهلي يحاولون للمرة الثانية إرغامي على عريس من طرفهم، ويرفضون تماما الاستماع لي ولرغبتي، وفي نفس الوقت متأكدة أنهم لن يوافقوا على حبيبي رغم أنه ذو خلق، ودين، ومنصب، ومال، وعائلة. وندم مثلما ندمت على أخطاء الماضي، ولا أستطيع منع تواصلي معه لاحتياجي الشديد لدعمه النفسي لي بدون أي تجاوزات، ولا أقبل غيره زوجًا لي؛ رغم أنه قد تزوج منذ فترة.
والآن مَرَّ على معرفتنا وذنبنا أكثر من خمس سنوات، وأريد حَلًّا شرعيًّا للزواج به، مع العلم أن زوجته تعرفني، وموافقة على زواجنا، ولكن أهلي لن يستمعوا إلى رغبتي يوما.
وأعلم أن البنت البكر الرشيد لا بد لها من ولي لكي تتزوج، والثيب يجوز لها توكيل نفسها.
هل أنا الآن ثيب، ويجوز لي تزويج نفسي أم لا؟
وما هو حكم الشرع في إرغام أهلي لي على الزواج بغير إرادتي؟
وما حكم الشرع في رفض عريس بدون أي سبب رغم رغبتي به؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد تضمن سؤالك عدة أمور، وسيكون الجواب في النقاط التالية:

- ننبه أولًا إلى أنّ هذه العلاقات التي شاعت بين الشباب والفتيات بدعوى الحب والرغبة في الزواج؛ باب فتنة، وذريعة شر وفساد، وكم أوقعت في مصائب، وأورثت ندمًا وحسرة.

- الراجح عندنا؛ أنّه لا يصح زواج المرأة بمن زنا بها؛ إلا بعد استبرائها، وتوبتها من الزنا.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإذا زنت المرأة، لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين:

أحدهما، انقضاء عدتها،....... والشرط الثاني، أن تتوب من الزنا. انتهى مختصرا.

- الواجب عليك قطع العلاقة مع الشاب الذي وقعت بينك وبينه علاقة محرمة، ولا تجوز لك مكالمته، أو مراسلته بحجة حاجتك إلى دعمه النفسي، وكونك تحرصين على عدم التجاوز في الكلام معه؛ فكل ذلك غير مسوّغ للتواصل معه، وغير مانع من وقوع الفتنة بينكما، فاتقي الله، وقفي عند حدوده، ولا تتهاوني في هذا الأمر.

-لا يصحّ ما ذكرتيه من كون الثيب يجوز لها الزواج دون ولي؛ والصحيح أنّه لا فرق بين الثيب والبكر في اشتراط الولي في الزواج عند جماهير أهل العلم.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: المرأة البالغة العاقلة، الحرة الرشيدة، لا يجوز لها تزويج نفسها، بمعنى أنها لا تباشر العقد بنفسها، وإنما يباشره الولي عند جمهور الفقهاء، لحديث لا نكاح إلا بولي.... ولا يجوز لها أن تزوج غيرها، سواء أكانت المرأة بكرا أم ثيبا. انتهى.

وراجعي الفتوى: 280042

- ليس من حقّ الأولياء إجبار البنت الرشيدة على الزواج -بكرًا كانت أو ثيبًا-، على القول الراجح عندنا.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزويجها بدون إذنها، بإجماع المسلمين. فأما الأب والجد فينبغي لهما استئذانها. واختلف العلماء في استئذانها: هل هو واجب؟ أو مستحب؟ والصحيح أنه واجب.

ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها به، وينظر في الزوج: هل هو كفؤ أو غير كفؤ؟ فإنه إنما يزوجها لمصلحتها؛ لا لمصلحته. انتهى من مجموع الفتاوى.

- إذا رغبت المرأة في الزواج من كفء لها؛ فلا حقّ للولي في منعها من تزوجه، وإذا منعها؛ كان عاضلًا لها، وجاز أن يزوجها الولي الأبعد، أو ترفع الأمر إلى القاضي.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: إذا عضلها وليها الأقرب، انتقلت الولاية إلى الأبعد. نص عليه أحمد، وعنه رواية أخرى، تنتقل إلى السلطان. انتهى.

-وإذا اختار الولي كفئًا، واختارت المرأة كفئًا غيره؛ فالراجح عندنا أنّ اختيار المرأة مقدم على اختيار الولي.

قال المرداوي -رحمه الله- في الإنصاف: وتقدم، إذا اختارت كفؤا، واختار الولي غيره، أنه يقدم الذي اختارته، فإن امتنع من تزويجه، كان عاضلا. انتهى.

- نصيحتنا لك؛ إذا تقدم إليك خاطب، ورضيه أهلك، ورضيت دينه وخلقه؛ أن تقبلي به، وتطوي صفحة الماضي، وتستعيني بالله، وتشغلي نفسك بما ينفعك في دينك ودنياك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني