الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ذُكر في القرآن الكريم: الرجال قوامون على النساء. هل للقوامة شروط؟
أهتم بزوجتي في كل النواحي من ملبس ومأكل ومشرب وغيره. أليس هناك نتيجة لكل ذلك؟
وما مدى صحة أن القوامة مشروطة بالطاعة. يعني لو لم تطعني زوجتي ماذا أفعل كمسلم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقوامة الرجل على زوجته؛ تعني في الأصل: محافظته عليها، وتأديبها إذا اعوجت.

قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره: يعني بقوله جل ثناؤه: "الرجال قوّامون على النساء"، الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله، ولأنفسهم. .......

وعن السدي:"الرجال قوامون على النساء"، قال: يأخذون على أيديهن، ويُؤدّبونهن. انتهى.

وقد بيَّن الله -تعالى- أنّ القوامة ثابتة للزوج بما فضَّله الله به من الصفات والأعمال، وبإنفاقه المال عليها، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. [النساء: 34].

قال أبو بكر بن العربي -رحمه الله- في أحكام القرآن: قوله: {بما فضل الله بعضهم على بعض} [النساء: 34].

المعنى: إني جعلت القوامية على المرأة للرجل لأجل تفضيلي له عليها، وذلك لثلاثة أشياء:
الأول: كمال العقل والتمييز.

الثاني: كمال الدين والطاعة في الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العموم، وغير ذلك. وهذا الذي بين النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحازم منكن. قلن: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: أليس إحداكن تمكث الليالي لا تصلي ولا تصوم؛ فذلك من نقصان دينها. وشهادة إحداكن على النصف من شهادة الرجل، فذلك من نقصان عقلها». وقد نص الله -سبحانه- على ذلك بالنقص، فقال: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: 282].

الثالث: بذله المال من الصداق والنفقة، وقد نص الله عليها هاهنا. انتهى.

وإنفاق الرجل على زوجته؛ منوط بطاعتها له في المعروف، فإن نشزت على زوجها فلم تطعه فيما يجب عليها من طاعته؛ فلا نفقة لها عليه.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: معنى النشوز: معصيتها لزوجها فيما له عليها، مما أوجبه له النكاح، .... فمتى امتنعت من فراشه، أو خرجت من منزله بغير إذنه، أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو من السفر معه، فلا نفقة لها ولا سكنى، في قول عامة أهل العلم. انتهى.

وإذا لم تطعك زوجتك فيما يجب عليها من طاعتك؛ فقد بين الله -تعالى- سبيل إصلاحها في قوله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرا. [النساء: 34].

جاء في الشرح الكبير للشيخ الدردير: والوعظ التذكير بما يلين القلب لقبول الطاعة، واجتناب المنكر. ثم إذا لم يفد الوعظ هجرها أي تجنبها في المضجع، فلا ينام معها في فرش لعلها أن ترجع عما هي عليه من المخالفة. ثم إذا لم يفد الهجر ضربها أي جاز له ضربها ضربا غير مبرح، وهو الذي لا يكسر عظما، ولا يشين جارحة. انتهى.

وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: فمتى ظهرت منها أمارات النشوز، مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها، ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة، فإنه يعظها، فيخوفها الله سبحانه، ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة والمعصية، وما يسقط بذلك من حقوقها، من النفقة والكسوة، وما يباح له من ضربها وهجرها؛ لقول الله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} [النساء: 34]، فإن أظهرت النشوز، وهو أن تعصيه، وتمتنع من فراشه، أو تخرج من منزله بغير إذنه، فله أن يهجرها في المضجع؛ لقول الله تعالى: {واهجروهن في المضاجع} [النساء: 34] .
........فإن لم ترتدع بالوعظ والهجر، فله ضربها؛ لقوله تعالى: {واضربوهن} [النساء: 34].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح.» رواه مسلم. ومعنى " غير مبرح " أي ليس بالشديد. انتهى مختصرا.

واعلم أنّ العلاقة بين الزوجين ينبغي أن تقوم على التفاهم، والتواد، والتراحم، والتجاوز عن الهفوات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني