الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يُعاقب من تلاعب بأعراض الناس بمثل ذلك في أهله؟

السؤال

كنت مبتلى بشهوة التحدث مع الفتيات، لا أستطيع أن أعيش يومين دون التحدث إلى فتاة، أحيانا يكون حديثا بهدف طلب أو منفعة، وأحيانا يتطرق الحديث إلى كلام الحب والتدليل والمغازلة، وأحيانا يصل إلى كلام فاحش، لكن وبحمد الله، نويت التوبة الصادقة، وعدم التحدث إلى أي فتاة إلا للضرورة فقط.
لدي بعض الأسئلة:
ما العوامل التي تعينني على الاستمرار في التوبة؟
نيتي للتوبة هي أنني أخشى العاقبة الأخروية وعذاب الله، ولكني أخاف جدا من العاقبة الدنيوية أيضا. هل يمكن أن تُرَد لي أفعالي في زوجتي المستقبلية، علما أنني أعزب؟ هل يمكن أن تكون زوجتي التي سأختارها فعلت مثلما فعلت بالفتيات، ويعاقبني الله بها حتى بعد أن تبت؟
ماذا أفعل حتى أحصل على زوجة تقية صالحة، ولا يعاقبني الله بها في الدنيا؟
هل هناك أوجه مستحبة من أوجه البر أزيد منها إلى جانب التوبة حتى يتقبل الله مني ويغفر لي، ولا يعاقبني في شيء أتمنى أن يصلح به حالي مثل الزوجة الصالحة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أحسنت بترك هذه المنكرات، واجتناب التساهل في التعامل مع الفتيات، فجزاك الله خيرا.

ونوصيك بالتوبة النصوح وهي المستوفية لشروطها من ترك الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة لمثل ذلك في المستقبل.

ومن أعظم ما يعينك على التوبة والثبات على طريق الاستقامة: صدقك مع الله، فمن يصدق الله يصدقه، قال تعالى: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ {محمد: 21}.

وعليك -أيضا- بكثرة الدعاء، وسؤال الله -عز وجل- الثبات، واحرص على صحبة الأخيار.

روى ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان: عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: عليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم، فإنهم زين في الرخاء، وعدة في البلاء. انتهى.

وعليك بالحزم والجد، وعدم التساهل في التعامل مع النساء الأجنبيات، وتذكر أن ذلك باب للفتنة.

ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.

ولمزيد الفائدة، يمكنك مطالعة الفتاوى: 10800، 1208، 12928.

ومن تاب من الذنب؛ فإن الله يقبل توبته، ولا يعاقبه على ذلك لا في الدنيا، ولا في الآخرة.

قال ابن تيمية: التَّائِبَ لَا يُعَذَّبُ لَا فِي الدُّنْيَا، وَلَا فِي الْآخِرَةِ. اهــ.

ولا يلزم أن يعاقب من تلاعب بأعراض الناس بمثل ذلك في أهله، أو أن يتزوج بامرأة منحرفة ونحو ذلك.

وراجع الفتوى: 170301، والأرقام المحال عليها فيها.

ونوصيك بالحرص على حسن الاختيار عند الرغبة في الزواج بتحري الديِّنة الخيرة، عملا بالتوجيه النبوي الوارد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك.

ولا تغتر بما قد يظهر لك من حالها حتى تسأل عنها الثقات ممن يعرفونها، فإن أثنوا عليها خيرا ورغبت في الزواج منها، فعليك بالاستخارة.

وحديث الاستخارة رواه البخاري عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب.

اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه.

وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري -أو قال في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني. قال: ويسمي حاجته.

وانظر الفتوى: 123457.

بقي أن نقول إن الزوج إذا كان صالحا صار قدوة لزوجته، فتكتسب من حاله، وتتصف بصفاته الخيرة، ويكمل فيها ما قد يكون من تقصير.

هذا بالإضافة إلى أنه ينبغي للزوج أن يحرص على أن تكون في بيته حلقة للعلم والذكر، أو يحرض زوجته على حضور مجالس العلم في المساجد وغيرها من المراكز والهيئات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني