الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هجر الأخ أخاه بسبب وقوعه في جريمة القتل

السؤال

نحن عرب، مسلمون، سُنَّة، نعيش في دولة أوروبية، وأخي من أمي وأبي جاءتهُ فترة من الضعف في الدين، وأصبح يماشي رفاق السوء. وبصفتي أخاه الأكبر، وأبلغ من العمر 40 سنة، وهو يبلغ من العمر 25 سنة، نصحته بقوة ألاّ يماشي رفاق السوء، فسوف يوردونه المهالك. ونصحتهُ أيضا بأن يعود لالتزامه، ولكنه لم يستجب، غفر الله له. حتى خرج ذات ليلة هو وصديق سوء، وكانا تحت تأثير المخدرات، فحصل بينهما وبين شابين شجار، وكان الشابان مسلمين أيضا. وكان بحوزة أخي سكين مطبخ يحملها للدفاع عن نفسه إن لزم الأمر "بزعمه"، وفعلا استخدمها أثناء الشجار؛ لأن يده فيها عيب، ولا يستطيع الدفاع عن نفسه من دون سلاح "بزعمه". وقدر الله أن طعن بها الشاب الآخر مما أدى إلى وفاة ذلك الشاب. ويقول أخي لاحقا إن الشاب كان بحوزته مال، وحاولنا أخذه، ولكنه أبى ودافع عن نفسه وماله؛ فطعنته بالسكين، ولم أنو قتله، مجرد شجار "بزعمه".
ألقت الشرطة القبض عليه، وبعد التحقيقات الطويلة والكاميرات، حكموا عليه بالسجن لمدة 30 سنة. وهو الآن بالسجن منذ قرابة 5 سنوات، وقد ندم ندمًا شديدًا، ويدعي أنه رجع إلى الله، والتزم داخل السجن. ولكن وضعه النفسي غير مستقر، فمرة يظهر في كلامه الالتزام، ومرة العكس حسب ما هو ظاهر؛ لأنه يجري اتصالات مع أمي، وأضطر للحديث معه بالهاتف رأفة بحال أمي وِبرًّا بها. وإلا فأنا رافض للحديث معه، ورافض لزيارته بسبب قتله للنفس المسلمة، وهو دائما يطلب زيارتي له. وأبي وأمي يؤنبانني ويزجرانني، ويغضبان مني أحيانا بسبب تصرفي هذا تجاه أخي. فهل فعلي صحيح؟
أرشدوني لفعل الصواب، مع الأدلة الشرعية، بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أحسنت بقيامك بنصح أخيك بعدم رفقة قرناء السوء، وأن يعود للاستقامة على طاعة الله -عز وجل- فجزاك الله خيرا، وجعل ذلك في ميزان حسناتك.

وإن كان أخوك قد ندم على ما فعل، وتاب إلى الله، فنسأله -سبحانه- أن يتقبل توبته، ويرزقه الاستقامة على الطاعة.

ولا شك بأن أخاك من الرحم التي تجب صلتها، وتحرم قطيعتها، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا {النساء: 1}.

قال الطبري في تفسيره عن السُّدِّي أنه قال في تفسيرها: اتقوا الله، واتقوا الأرحام، لا تقطعوها... انتهى.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذاك.

قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد: 22}.

فعليك بصلة أخيك بما يعتبر عرفا صلة له، ولا تؤاخذه بذنب قد تاب منه، ولا يجوز لك هجره لأجل ذلك، والذي يجوز هجره هو العاصي المقيم على الذنب، فينصح، فإن لم ينتفع بالنصح جاز هجره. وتراعى في هجره المصلحة، كما ذكر أهل العلم، وقد بينا ذلك في الفتوى: 21837.

ثم إن في صلته بِرًّا بوالديك، وبرهما واجب، وعقوقهما محرم. واحرص على أن تكون صلتك له عونًا على سيره في طريق الاستقامة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني