الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب ستر الزانية التائبة على نفسها

السؤال

لي صديقة رغم أنها على استقامة وخلق ودين، إلا أنها زنت منذ سنوات مرة واحدة، ثم تابت، إلا أنها عادت تكلم الشاب الذي زنت معه، غير أنها لم تزن معه، وجاهدت نفسها في ذلك. فهل ينقض حديثها مع الشاب توبتها من الزنا؟ علماً أنها لم تستطع أن تمنع حب ذلك الشاب من قلبها، إلا أنها لم تعد للزنا معه رغم محاولاته، وإذا كان يدور بينهما أحياناً حديث، فهل ينقض ذلك توبتها؟
هذه الفتاة دعت ربها أن ينزع حبه من قلبها، واستجاب لها الله، ومنَّ عليها برجل صالح خطبها فقبلت به تحت إلحاح أهلها؛ لكونه رجلاً عفيفاً، وخلال خطبتها اتصل بها ذلك الشاب فحدثته، لكنها تراجعت وطلبت منه ألا يكلمها، ثم تزوجت بذلك الرجل العفيف. فهل زواجها صحيح؟ وهل حديثها مع ذلك الشاب ينقض توبتها؟ وقد صلح حالها بعد الزواج، والآن تسأل هل تطلب من زوجها الطلاق لكونها لا تستحقه؟ أم تخبره بما كان، فإن شاء عفا عنها وإن شاء تركها؟
هي الآن تعيش في عذاب أليم، وتفكر في إنهاء حياتها خشية أن الله لن يغفر لها، وأنها غشت هذا الرجل الصالح، وتشعر بالذنب، حتى أنها تبقى في بيت أهلها مدة طويلة خجلة من النظر في وجه زوجها، وهي تتضرع إلى الله آناء الليل وأطراف النهار أن يغفر ما كان منها.
فهل لها أن تذهب إلى دولة تقيم حدود الله، فتطلب أن يقام عليها الحد؟
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقدأحسنت هذه الفتاة بتوبتها من الزنا، ومن تاب من ذنبه تاب الله عليه وغفر له، قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82}، وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. والتوبة من أعظم ما يطهر به المسلم نفسه من الذنوب، فلا داعي للاعتراف بالذنب من أجل إقامة الحد.

وعودتها للحديث مع هذا الشاب لا يؤثر على توبتها من الزنا، ولكن هذا في ذاته أمر منكر وذنب تجب عليها التوبة منه أيضاً، وعلى كل حال عليها أن تطرد عن نفسها هذه الهواجس ولا تلتفت إلى أي وساوس يريد الشيطان أن يدخل بها عليها الحزن وينكد عليها حياتها، فهو عدو الإنسان يفرحه حزنه، قال تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {المجادلة: 10}، قال ابن القيم في كتابه: طريق الهجرتين: والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الحزن مما يستعاذ منه؛ وذلك لأن الحزن يضعف القلب، ويوهن العزم، ويضرّ الإرادة، ولا شيء أحبّ إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا {المجادلة:10}، فالحزن مرضٌ من أمراض القلب، يمنعه من نهوضه، وسيره، وتشميره... اهـ. فلتتوكل على ربها عز وجل، ولتتناس ما مضى، وتكثر من ذكر الله وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.

وإذا تم زواجها مستوفياً شروط الزواج الصحيح، ومن أهمها: الولي، والشهود، فهو زواج صحيح، ولا يؤثر على صحته حديثها مع ذلك الشاب فترة خطبتها. وليس عليها أن تخبر زوجها بما حدث منها في الماضي، بل لا يجوز لها إخباره بذلك؛ لأن العاصي يجب عليه مع التوبة أن يستر على نفسه، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان؛ عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. ولا حق لزوجها عليها حتى تطلب عفوه في ذلك، فلتستأنف حياتها مع زوجها وتحسن عشرته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني