الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حَلُّ إشكال في تفسير الطبري لقوله تعالى: وَقرْن في بيوتكن

السؤال

عندما قرأت تفسير قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} عند شيخ المفسرين الطبري، قال في معرض تفسيره للآية: وهذه القراءة، وهي الكسر في القاف أولى عندنا بالصواب؛ لأن ذلك إن كان من الوقار على ما اخترنا.
ألا يُشْعِرُ هذا الكلام أنه يخطِّئ قراءتنا المشهورة بفتح القاف، ومعناها المكوث في البيوت؟
أشكل علي ذلك كثيرًا، إذ لا يجوز -على ما نعلم- تخطئة شيء من القرآن، بل إن ذلك كفر كما تعلمنا.
أرجو حل هذا الإشكال عندي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كلام الطبري في تفسير الآية المذكورة ليس فيه تخطئة من يقرأ: (وقَرْنَ) بفتح القاف، بل ذكر أنها هي قراءة أهل المدينة، وبعض الكوفيين، لكنه هو يرّجح القراءة بكسر القاف في كلمةِ قِرْنَ؛ لأنها قراءة الجمهور، ولأنها من الوقار -كما قال- فكلتا القراءتين صحيحة.

قال الطبريّ في تفسيره: واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَقَرْنَ فِي بِيُوتِكُنَّ) فقرأته عامة قراء المدينة، وبعض الكوفيين: (وَقَرْنَ) بفتح القاف، بمعنى: واقررن في بيوتكن، وكأن من قرأ ذلك كذلك حذف الراء الأولى من اقررن، وهي مفتوحة، ثم نقلها إلى القاف، كما قيل (فظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) وهو يريد: فظللتم، فأسقطت اللام الأولى وهي مكسورة، ثم نقلت كسرتها إلى الظاء.
وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة: (وَقِرْنَ) بكسر القاف، بمعنى: كُنَّ أهل وقار وسكينة (في بيوتكن).
وهذه القراءة وهي الكسر في القاف أولى عندنا بالصواب، لأن ذلك إن كان من الوقار على ما اخترنا، فلا شك أن القراءة بكسر القاف
. إلى آخر كلامه.

وفي تفسير القرطبي: قوله تعالى: "وقَرن" قرأ الجمهور: "وقِرن" بكسر القاف. وقرأ عاصم ونافع بفتحها.

إلى أن يقول: معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى. هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة، على ما تقدم في غير موضع. اهـ.

وقال ابن جزي في تفسيره: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، قرئ بكسر القاف، ويحتمل وجهين: أن يكون من الوقار أو من القرار في الموضع، ثم حذفت الراء الواحدة كما حذفت اللام في ظلت.

وأما القراءة بالفتح فمن القرار في الموضع على لغة من يقول قرِرت بالكسر أقر بالفتح، والمشهور في اللغة عكس ذلك، وقيل: هي من قار يقار إذا اجتمع، ومعنى القرار أرجح، لأن سودة -رضي الله عنها- قيل لها: لم لا تخرجين؟ فقالت: أمرنا الله بأن نقرّ في بيوتنا. اهـ.

وللمزيد عن تعمّد تحريف القرآن الكريم، راجع الفتوى: 131008.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني