الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس للشريك ببدنه فقط إلا نسبته المتفق عليها من الربح

السؤال

قمت أنا وابن عمي بإنشاء شركة: هو بالمال والبدن، وأنا بالبدن. واتفقنا على نسبة 40% لي، و60% من الأرباح له. واستأجرنا الدكان، وبدأنا العمل.
وبعد مرور 6 أشهر عرض شريكي الدكان للبيع، بسبب عدم قدرتنا على شراء سيارة. بنية أن يشتري بثمن المحل سيارة، وبالنقود المتبقية نأخذ دكانا جديدا، ونبدأ من جديد.
فهل يحق لي أن آخذ نسبة 40% من ربح بيع الدكان، بحكم أننا بدأنا معا، مع الأخذ في الاعتبار أني شريك بالبدن؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمثل هذه الشركة تصح مضاربة على مذهب الحنابلة -خلافا للجمهور، فلا تصح عندهم-، وهي أن يشترك اثنان في العمل بمال أحدهما.

قال ابن قدامة في المغني وهو يعدد أقسام المضاربة الثلاثة: وهي إذا اشترك بدنان بمال أحدهما، أو بدن ومال، أو مالان وبدن صاحب أحدهما. اهـ.

وقال أيضا: القسم الخامس: أن يشترك ‌بدنان ‌بمال ‌أحدهما. وهو أن يكون المال من أحدهما والعمل منهما، مثل أن يخرج أحدهما ألفا، ويعملان فيه معا، والربح بينهما. فهذا جائز. ونص عليه أحمد في رواية أبي الحارث. وتكون مضاربة؛ لأن غير صاحب المال يستحق المشروط له من الربح بعمله في مال غيره، وهذا هو حقيقة المضاربة.

وقال أبو عبد الله ابن حامد، والقاضي وأبو الخطاب: إذا شرط أن يعمل معه رب المال، لم يصح. وهذا مذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأبي ثور، وابن المنذر. اهـ.

وعلى القول بصحتها مضاربةً -وهو الراجح- فإن الشريك الذي لا مال له لا يستحق إلا نسبته المتفق عليها من الربح.

قال ابن قدامة في المغني: وأما إذا اشترك بدنان بمال أحدهما، مثل أن يخرج أحدهما ألفا ويعملان جميعا فيه، فإن للعامل الذي لا مال له من الربح ما اتفقا عليه؛ ‌لأنه ‌مضارب ‌محض، فأشبه ما لو لم يعمل معه رب المال. اهـ.

وعلى ذلك؛ فليس للسائل حق إلا في نسبته من الربح، والربح هو ما بقي بعد سلامة رأس المال.

قال الخرقي في مختصره: ليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال. اهـ.

فقال ابن قدامة في شرحه (المغني): يعني أنه لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه، ومتى كان في المال خسران وربح، جبرت الوضيعة من الربح، سواء كان الخسران والربح في مرة واحدة، أو الخسران في صفقة والربح في أخرى، أو أحدهما في سفرة والآخر في أخرى؛ لأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال، وما لم يفضل فليس بربح. ولا نعلم في هذا خلافا. اهـ.

فإن كان السائل يعني بربح بيع الدكان: بيع البضاعة التي هي محل التجارة، فله نسبته فيها، كما سبق بيانه.

وأما إن كان الدكان ملكا لشريكه، اشتراه بخالص ماله، ولم يدفع السائل فيه شيئا، فليس له فيه نصيب؛ لأنه ليس محلا للتجارة، ولا يصح أن يدخل أصلا في رأس مال المضاربة؛ لكونه عرضا. ويشترط في رأس مال المضاربة أن يكون نقدا (دراهم ودنانير، وما في معناها من العملات الحالية).

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء -في الجملة- على هذا الشرط، واستدل بعضهم عليه بالإجماع، كما نقله الجويني من الشافعية، أو بإجماع الصحابة كما قال غيره منهم. اهـ.

وأما قول السائل: (نأخد دكانا جديدا ونبدأ من جديد) فالمضاربة نوع من الشركة، وهي عقد جائز غير لازم، فمن حق كلا الطرفين فسخ العقد متى شاء، وهذا عند جمهور أهل العلم. وحتى المالكية يقيدون لزومها بأن ينض المال، أو يتم العمل، ثم لمن شاء من الشركاء بعد ذلك أن يفسخ.

وراجع في ذلك الفتوى: 238543.

وعلى ذلك فإذا تم العمل الأول وقسم الربح، فكل منكما بالخيار في العمل الجديد، يدخل فيه أو لا يدخل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني