الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التوبة من ذكر شخص بعيوب ليست فيه ومن الخيانة في النصيحة

السؤال

أعيش في أوروبا، وقد أحضرت أختي لتكمل دراستها. بعد مرور شهرين تعرَّفَت على شخص يريد الزواج بها، فرفضت بحجة أنني تعلقت بها، ولا أريد أن تبتعد وتسكن بعيدة عني؛ لأن الشخص الخاطب لها يسكن بمدينة تبعد سبع ساعات عن مدينتي، وهي مُصِرَّة على أن تتزوج منه. إلا أنني حاولت بكل الطرق أن لا تتزوج منه، أقصد بالطرق تكلمت بالسوء عليه.
مر أسبوعان على هذا الشيء، ثم أقنعتني أمي أن أقبل؛ فقبلت، لكن أختي لم تعد تريد الزواج منه على حسب قولها. فبسبب كثرة كلامي عنه بالسوء، كرهَتْه، ولم تعد تريده. وبعد محاولات كثيرة لإقناعها لم نفلح أنا وأمي. مرت ستة أشهر، والشخص الذي كان قد خطبها تزوج.
أختي الآن تلومني لأنني السبب. لم أعد أنام بسبب تأنيب الضمير، وإحساسي بأن أختي أضاعت فرصة يمكن ألا تأتيها مرة أخرى.
أرجوكم ساعدوني على تخطي هذا الشيء. أنا أعترف بالخطأ أنني دخلت في حياة أختي، ولكن بحسن نية، ولم أكن أعرف أن هذا الشيء سينقلب ضدي، الآن لم أعد أعيش حياتي كما هي بسبب تأنيب ولوم الضمير.
شكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت تعنين أنك وصفت الخاطب بما ليس فيه؛ فإنك تأثمين من جهتين:

أولاهما: من جهة البهتان، فذكر الإنسان بعيوب ليست فيه، هذا بهتان، وهو من الكبائر، وقد وصفه الله -تعالى- بالإثم المبين. وفاعله متوعد بأن يسقيه الله -تعالى- من عصارة أهل النار، والعياذ بالله. كما في الحديث: مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ. رواه أبو داود.

ومعنى (حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ).

قَالَ الْقَاضِي: وَخُرُوجُهُ مِمَّا قَالَ، أَنْ يَتُوبَ عَنْهُ. كذا في عون المعبود.

وقد بينا خطورة البهتان وعاقبته في الفتوى: 265651.

ولا يلزمك أن تخبري ذلك الشخص بما افتريتيه عليه، ولا تتوقف توبتك على التحلل منه، في المفتى به عندنا، كما بيناه في الفتوى: 440401.

فالواجب عليك الآن هو التوبة إلى الله -تعالى- بالندم، والعزم على عدم العودة مستقبلا، والتوبة تجُبُّ ما قبلها، ومن تاب؛ تاب الله عليه.

وثانيتهما: من جهة خيانة أختك في النصيحة، والمستشار مؤتمن، فإن أشار بغير ما يعلم، فقد خان الأمانة.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْتَشَارِ أَنْ يُشِيرَ إِلَى مَا فِيهِ رُشْدُ الْمُسْتَشِيرِ وَخَيْرُهُ، فَإِنْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ صَوَابٍ فَقَدْ غَشَّهُ فِي مَشُورَتِهِ، وَخَانَهُ بِكِتْمَانِ مَصْلَحَتِهِ.

وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال: مَنِ اسْتَشَارَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ، فَقَدْ خَانَهُ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَال: قَال رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ، أَيِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ الْمَشُورَةُ وَالرَّأْيُ فِيمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ أَمِينٌ فِيمَا يُسْأَل مِنَ الأُْمُورِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَخُونَ الْمُسْتَشِيرَ بِكِتْمَانِ مَصْلَحَتِهِ. اهــ.

وفي هذه الحال تحللي من أختك، واطلبي منها الصفح عما بدر منك.

وأما إن ذكرتيه بما فيه من السوء تحذيرا لأختك من قبوله زوجا، فهذا لا إثم فيه، فالشرع دل على أن ذكر الخاطب بما فيه جائز، وأنه من النصيحة وليس من الغِيبة.

فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس لما خطبها أبو جهم ومعاوية: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. والحديث رواه مسلم.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَطَلَبِ النَّصِيحَةِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ، بَلْ مِنَ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ.

وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ الْغِيبَةَ تُبَاحُ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا الِاسْتِنْصَاحُ. اهــ.

وفي كشاف القناع للبهوتي الحنبلي: وَعَلَى مَنْ اُسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ أَوْ مَخْطُوبَةٍ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِيهِ مِنْ مَسَاوِئَ) أَيْ عُيُوبٍ (وَغَيْرِهَا، وَلَا يَكُون غِيبَةً مُحَرَّمَةً إذَا قُصِدَ بِهِ النَّصِيحَةُ) لِحَدِيثِ: «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» وَحَدِيثِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». اهــ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني