الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الضرر الذي يترتب على عدم سداد الدين. هل هو ضرورة تبيح الربا؟

السؤال

أُحلت على المعاش المبكر لأسباب مرضية، وأتقاضى -والحمد لله- معاشا جيدا، وأصلي، ولا أترك فرضا، وأقرأ الأذكار صباحا ومساء، وقليلا ما تفوتني صلاة إلا للمرض، ثم أقضيها. وأعاني من روماتيزم فقرات، منذ حوالي: 25 عاما، ومن اكتئاب شبه متوسط، وزد على ذلك دعامة بالقلب -والحمد لله على كل شيء- وعندي بنتان، وابن وحيد، وهم بمراحل تعليم مختلفة، وابنتي الكبرى مخطوبة منذ ثلاث سنوات، وقد تم الزواج هذا الشهر -والحمد لله- وللأسف المعاش لا يكفي بسبب غلاء المعيشة، والراتب موزع على مصاريف البيت، وجمعيات لتجهيز ابنتي التي تزوجت هذا الشهر، وغير هذا وذاك فقد ابتلانا الله -أنا وزوجتي، وأبنائي- بكثرة الذهاب إلى الدكاترة -والحمد لله على كل حال- وأنفق كثيرا على الأدوية، والمستلزمات الطبية، والعلاج من الصيدلية التي تعد ميزانية شهرية أيضا؛ لأن المستشفى المختص لا يوجد به اهتمام، ويوجد به تعقيد، غير المشوار الذي يجهد، ويكلف... فأصبح الراتب أقل من المطالب، ولوازم الحياة.
وقد بحثت عن عمل يناسبني مرارا وتكرارا، ولكن المتاح لا يناسبني، لأنه إما بعيد، وإما مجهد، وإما ساعاته طويلة... والجمعيات لا تكفي، لأن الاسم بألف، وأنا أشترك بثلاثة أسماء -يعني: 150000- والجمعية على أربع سنوات. فأصبحنا نستدين إلى حين قبض الجمعية - 120000 -بعد سداد الدين، فقمت ببيع قيراط من الأرض وحيد أمتلكه، لتكملة الجهاز، ولكنه لا يكفي، وبقي الكثير من الأشياء. وموجة الغلاء الفاحش أحد أسباب هذه الأزمة، وقد ضاقت بي السبل في الاستدانة.... ولكي أفي بوعدي للمدين قمت بعمل قرض من البنك بضمان راتبي، لسداد ديني، وإتمام واجبي نحو ابنتي؛ لأن الجمعيات التي قبضتها لن تنتهي إلا بعد عام، وعندما تبدأ الأخرى فلن يعطونا طبعا.... وقبل أقل من سنة ونصف فلن أمتلك فلوسا.
وقد بحثت عن الفتاوى مثل القروض للعرس، وسداد الديون، فمنهم من أباح، ومنهم من حرم، ويعلم الله أنني مضطر، وحزين، وضيق الصدر. فهل هذا من الربا؟ أم من الضرورة، كما قال عز وجل: وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ؟
‏ولحضرتكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقضاء الدين وإن حلَّ أجله، ليس من الضرورات التي تبيح الاقتراض بالربا؛ لأن المعسر يجب إنظاره بحكم الشرع، ولا تحل عقوبته، ويستحب التصدق عليه بدينه، أو التنازل له عن شيء منه؛ كما قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}.

وانظر للفائدة، الفتويين: 34990، 158771.

ولكن إن كان تأجيل قضاء الدين لحين الميسرة، سيعرض المدين إلى ضرر معتبر كالسجن مثلا، فحينئذ يكون مضطرا، ليس لمجرد قضاء الدين، وإنما تخلصا من الضرر المترتب على ذلك، فإن الراجح أن السجن يعتبر ضرورة في الجملة، وراجع في ذلك الفتوى: 48727.

وعلى أية حال، فقد سبق لنا بيان حدود الضرورة المبيحة للربا في عدة فتاوى.

منها الفتاوى: 29129، 47389، 127235.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني