الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طاعة الزوج مقيدة، وحكم اشتراط الزوجة السكن في مكان معين

السؤال

عشت طفولة قاسية نوعا ما، أبي لم يكن يحسن التصرف في أمواله فكان يضيعها في القمار وشرب الكحول وتسديد القروض، فلم نكن أنا وأمي وأخواتي قادرات على عيش حياة طبيعية، وكنا نقضي كل العطل في البيت. اضطرت أمي للبحث عن عمل لتوفر لنا حياة كريمة، وقد قدمت الكثير من التضحيات من أجلنا.
اجتهدت أنا في دراستي، وبالرغم من الظروف المادية والضغط النفسي الذي كنت أتعرض له من أبي الذي كان يوبخني عند حصولي على نتائج متوسطة فقد واصلت العمل بجد وتمكنت بتوفيق من الله عز وجل من أن أكون معلمة ناجحة.
قررت أن أوفر من راتبي كل ما يلزم من وسائل تربوية لمساعدة التلاميذ الذين يعانون من صعوبات، كما قررت توفير المال لشراء سيارة، وتعويض أمي وأخواتي عن كل ما مررنا به وأخذهن إلى الأماكن التي كن يحلمن بزيارتها. أردت أن أوفر كل ملذات الحياة لعائلتي، لكنني وجدت نفسي غير قادرة على ذلك؛ لأن أبي كان يطلب مني المال دائما فقررت أن أتزوج حتى أكون مستقلة وأحقق كل ما أحلم به. تقدم لخطبتي شاب يعمل مدرسا مثلي وقد وافقت عليه وشعرت بالارتياح له لكنه اشترط أن أشاركه في بناء البيت وشراء سيارة، وأن أساعده في مصاريف البيت. ليس لدي مشكلة في ذلك، لكن هذا سيمنعني من تحقيق ما كنت أطمح إليه، كنت أطمح لحياة أفضل لي ولأسرتي، وكنت أطمح في توفير قسط من المال شهريا لأمي، وتوفير المال لمساعدة من يحتاج لي، وتوفير ما يكفيني لشراء كل ما يلزمني. لكنني أشعر أن خطيبي لن يجعلني قادرة على تحقيق ما أريد، كما أنه كثيرا ما يفرض علي الكثير من الأمور مثل اشتراطه بناء البيت فوق بيت أهله، واشتراطه علي أن أعمل في مدرسة قريبة من بيت أهله. أشعر بأنني لم أعد أرغب في مواصلة هذه العلاقة، ولكنني أحيانا أخاف أن أكون قد فكرت بأنانية لأنني أريد تحسين وضعي المادي ووضع عائلتي، وأريد رجلا يجعلني أتقدم ليس رجلا يفرض علي أن أساعده في كل ما يخطط له.
هل يحق للرجل أن يفرض على المرأة كل ما يجب أن تقوم به؟ وهل يجب على المرأة طاعته في كل شيء؟ وهل يحق للمرأة أن تختار مع الرجل المكان الذي ستعيش فيه؟
وأيضا هل يحق لي رفض هذا الخاطب؛ لأنه لن يضيف لحياتي شيئا، بل سيعيق تحقيق ما أتمناه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمؤنة الزواج تلزم الزوج، ولا يلزم المرأة شيء منها، سواء في ذلك المهر أو النفقة أو السكنى؛ إلا أن تتبرع المرأة بشيء من ذلك بطيب نفس فيكون إحسانا منها.

والواجب على الزوجة طاعة زوجها في المعروف، وليست طاعته واجبة في كل الأمور؛ ولكنها مقيدة بكونها فيما يتعلق بالنكاح وتوابعه، كطاعته إذا دعاها للفراش ما لم يكن لها عذر، وعدم خروجها من بيته دون إذنه لغير ضرورة. وانظري التفصيل في الفتوى: 115078، والفتوى: 66237

والأصل أن تقيم الزوجة حيث يقيم زوجها، وليس لها الامتناع من الانتقال معه حيث شاء؛ بشرط أن يوفر لها مسكنا مستقلا مناسبا تأمن فيه على نفسها، ولا تتعرض فيه لضرر، لكن لا مانع من التفاهم والتشاور بينهما في اختيار موضع السكن.

ويجوز للزوجة عند العقد أن تشترط على الزوج السكنى في موضع معين.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة: أحدها ما يلزم الوفاء به، وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته، مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها، أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، ولا يتسرى عليها، فهذا يلزمه الوفاء لها به. انتهى.

وراجعي الفتوى: 487372

ولا حرج عليك في فسخ الخطبة إذا وجدت المصلحة في الفسخ؛ ففسخ الخطبة غير محرم، لكنه يكره إذا كان لغير مصلحة.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولا يكره لها أيضا الرجوع إذا كرهت الخاطب؛ لأنه ‌عقد ‌عمر يدوم الضرر فيه، فكان لها الاحتياط لنفسها، والنظر في حظها. وإن رجعا عن ذلك لغير غرض، كره؛ لما فيه من إخلاف الوعد، والرجوع عن القول، ولم يحرم؛ لأن الحق بعد لم يلزمهما. انتهى.

وراجعي الفتوى: 65050

ونصيحتنا لك؛ أن تتشاوري مع العقلاء من أقاربك، أو مع بعض الصالحات ذوات الرأي، وتستخيري الله تعالى قبل العزم على الأمر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني