الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اشترى شيئا محرما من كافر ولم يسدد له ثمنه فكيف يتصرف فيه؟

السؤال

طلبت من شخص لا أعرف دينه أن يرسل لي شيئا لا يرضي الله، مقابل مبلغ مالي، لكني استلمت دون أن أدفع له حقه؛ لأني لم أكن أريد أن أنفق في شيء لا يرضي الله. وقد كذبت وقلت له إن الشيء لا يعمل. وبعد ذلك تذكرت أن الله لا يغفر أكل حقوق الناس، وأنا لا أستطيع الوصول إلى الشخص لكي أرد المظلمة، وقد نسيت المبلغ لكنه تقريبا 70 دولارا.
هل أستطيع التبرع بهذا المبلغ عن ذلك الشخص لكي أبرئ نفسي، وأتطهر من ذنبي؟ علمًا أن الشخص غير مسلم.
أرجوكم انصحوني، لا أريد الوقوف بين يدي الله، وأنا لم أكفر عن ذنبي، وأرد المظلمة.
غفر الله لنا ولكم ولجميع المسلمين.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان هذا الشيء محرَّمًا، وليست فيه منفعة مباحة، ولا يحل بيعه، ولا شراؤه، فثمنه لا يحل للبائع ولا يملكه.

قال البهوتي في «شرح المنتهى»: ولا يصح استئجار لحمل (‌خمر ‌لشربها) لما تقدم (ولا ‌أجرة ‌له) لأن المنفعة المحرمة لا تقابل بعوض. اهـ.

وقال الماوردي في «الحاوي الكبير»: إذا ‌اشترى شيئا شراء فاسدا إما لجهالة ‌ثمنه، وإما لفساد شرطه، وإما لتحريم ‌ثمنه لم يستحق قبضه، فإن قبضه لم يملكه بالقبض. اهـ.

وعلى ذلك؛ فلا حق للبائع في ثمن المحرم، ولا يلزم مشتريه دفع ثمنه للبائع، فإنه حتى لو دفعه إليه لم يملكه، ويجب عليه التخلص منه بإنفاقه على الفقراء، أو صرفه في المصالح العامة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: من ‌باع ‌خمرًا، ‌لم ‌يملك ‌ثمنه. فإذا كان المشتري قد أخذ الخمر فشربها، لم يجمع له بين العوض والمعوض؛ بل يؤخذ هذا المال؛ فيصرف في مصالح المسلمين، كما قيل في مهر البغي، وحلوان الكاهن، وأمثال ذلك مما هو عوض عن عين أو منفعة محرمة، إذا كان العاصي قد استوفى العوض. اهـ.

وانظر للفائدة الفتويين: 42985، 110400.

وعلى ذلك، فالمطلوب من السائل هو التوبة إلى الله تعالى.

وأما التبرع بهذا المبلغ؛ فلا يكون عن البائع؛ لأنه لا يستحقه أصلا، وإنما يكون ذلك إتماما للتوبة، وعقوبة لمشتري الحرام الذي استوفاه واستهلكه.

قال ابن رشد في «المقدمات الممهدات»: المسلم إذا باع الخمر من المسلم أو النصراني .. فلم يعثر على ذلك حتى استهلك المبتاع الخمر، فإن كان المبتاع مسلما تصدق بالثمن على المساكين، قبض أو لم يقبض، قولا واحدا؛ إذ لا سبيل إلى نقض البيع بإغرام المسلم ثمن الخمر التي استهلكها وكسرها على البائع. اهـ.

وقال ابن أبي زيد القيرواني في «النوادر والزيادات»: أما إذا فاتت الخمر بيد المسلم، ولم يدفع الثمن، أخذ منه، وتصدق به. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني