الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم مخالفة الشركة الاتفاق الذي تعاقدت عليه مع البنك

السؤال

والدي -تكرما منه- جعلني أنا وإخوتي شركاء في شركته للمقاولات، والشركة الآن عليها دين لثلاثة بنوك بسعر فائدة مرتفع. وقد توصلنا مع البنوك إلى اتفاق على أن يتم السداد على مراحل، والشركة الآن تسري عليها مبادرة: 5% فائدة -وهي أقل بكثير من الفائدة الطبيعية-، وإذا أردنا كشركة الاستفادة منها، فيجب علينا الاتفاق مع البنوك على أن تمول الشركة بعض المشاريع.
فهل يجوز عقد الاتفاقات أعلاه -الاتفاق مع البنوك على أن تمول الشركة بعض المشاريع- بحيث تأخذ الشركة الأموال من بنك، وتسددها لبنك آخر، وذلك دون استخدام تلك الأموال إلا لهذا الغرض -وهو تقليل مبلغ الدين كثيرا- علما بأن عدم تنفيذ ذلك يعرض الشركة لمخاطر الإفلاس، وهذه المديونيات ناجمة عن ارتفاع الخامات، وجهات الإسناد تتنصل من التعويضات. وأنا وأخي كنا نوقع على أوراق التمويل قبل ذلك على مضض حتى لا نزعج أبانا، ولكننا تبنا إلى الله، ولا نعلم الآن ماذا نفعل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

ففي هذا السؤال مسألتان:

ـ الأولى: حكم التعامل مع البنوك.

ـ والثانية: حكم مخالفة الاتفاق المتعاقد عليه مع البنك.

أما المسألة الأولى: فلا يجوز الدخول في معاملة ربوية -لا مع البنك، ولا مع غيره من المؤسسات، أو الأفراد- فإن الربا من كبائر الذنوب، بل من السبع الموبقات، ومن موجبات اللعنة، وهو الذنب الذي سماه الله حربا له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحرمته ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما تبيحه الضرورات التي تبيح المحظورات، كما قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119}. وقال سبحانه: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173}.

وقد سبق لنا بيان حد الضرورة التي تبيح الربا، فراجع في ذلك الفتاوى: 322741، 6501، 22567.

ولمزيد من الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى: 491287.

وأما المسألة الثانية: فإن الأصل هو وجوب الوفاء بشروط العقد؛ لقول الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {المائدة: 1}.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه البخاري تعليقا، وأبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني.

وقال القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا. رواه مالك في الموطأ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: إذا كان حسن الوفاء، ورعاية العهد مأمورا به، علم أن الأصل صحة العقود، والشروط؛ إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره، وحصل به مقصوده، ومقصوده هو الوفاء به. اهـ.

فإن كان الحصول على هذا التمويل مشروطا بتنفيذ مشروعات جديدة، فلا يصح التحايل لأخذه لغرض آخر كسداد الديون، أو غير ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني