الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا أسقطت الزوجة مؤخر الصداق بشرط أن لا يطلقها زوجها

السؤال

هل يجوز الاشتراط في عقد الزواج أن يكون مؤخر الصداق ملزما للزوج فقط في حالة وقوع الطلاق؟ أي أن المؤخر لا يعتبر دينا عليه ما لم يطلب الطلاق وإن مات. فمن المعلوم أنه في الحالات العادية من حق الزوجة أن تحصل على مؤخر الصداق إذا مات زوجها، و ذلك قبل اقتسام التركة بين الورثة. فهل يمكن اجتناب هذه الحالة بالذات، وما هي الصيغة المتبعة في كتابة عقد الزواج بالنسبة لهذه المسألة؟ أرجو بهذه المناسبة معرفة رأي المذهبين المالكي والشافعي في هذا الباب. ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمؤخر الصداق دين في ذمة الزوج كسائر الديون، فإذا لم تسقطه الزوجة فواجب على الزوج أن يقضيه لها لأنه من صداقها، وقد قال الله تعالى: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً {النساء:4}, ولها أن تهبه للزوج كسائر أموالها، قال الله تعالى: فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا {النساء:4}.

وإسقاط الزوجة عن زوجها مؤخر صداقها هو هبة كسائر الهبات، فإن أسقطته على أن لا يطلقها فطلقها بعد فترة قصيرة، فلها الحق فيما أسقطت عنه، وإن لم يطلقها إلا بعد زمن طويل، أو لم يكن تعمد الطلاق بل وقع لسبب يمين ونحوها فليس لها الحق فيما أسقطت، وقيل: إن لها الحق فيه، ففي الحطاب -وهو مالكي-: وقال في التوضيح في فصل الخلع: فرع، وإذا أعطته مالا على أن يمسكها ثم فارقها عاجلا، فقالوا: لها الرجوع. وأما إن كان بعد طول بحيث يرى أنها بلغت غرضها لم ترجع، ولو طال ولم يبلغ ما يرى أنها دفعت المال لأجله كان له من المال بقدر ذلك على التقريب فيما يرى... إلا أن يكون الطلاق بحدثان الإسقاط ليمين نزلت ولم يتعمد ولم يستأنف يمينا فلا شيء عليه، ورأى اللخمي أن لها الرجوع ولو كان الطلاق ليمين نزلت ولم يتعمد.انتهى.

هذا ملخص المذهب المالكي في المسألة، ويبقى أن نضيف إليه فقط أن إسقاط الزوجة شيئاً من المهر لا يعتبر إسقاطاً إلا أن تسقطه بعد العقد لأنه قبل العقد ليس ملكا لها. وعليه؛ فلا ينبغي ذكره في صيغة العقد، بل بعدما يتم العقد.

وأما المذهب الشافعي فلم نجد للمسألة ذكرا فيه، إلا أنهم يذكرون أن صلح الزوجة لزوجها على أن لا يطلقها هو من الصلح الذي يحرم الحلال فلا يجوز إذاً، قال في أسنى المطالب: والذي يحرم الحلال أن يصالح زوجته على أن لا يطلقها أو نحو ذلك... وقال في نهاية المحتاج: وكأن صالح زوجته عما تدعيه عليه وأقر لها به على أن لا يطلقها...ا.هـ. وعليه؛ فمثل هذا الشرط لا يصح عندهم، فلا يسقط به مؤخر الصداق.

والحاصل أن الزوجة إذا أسقطت عن الزوج مؤخر الصداق بشرط أن لا يطلقها، وأنه إن طلقها لم يكن إسقاطها له نافذا، فإن لها الحق في استرجاعه منه إذا طلقها عاجلا، وإن لم يطلقها حتى مات أو طلقها بعد طول، فليس لها الرجوع فيه عند المالكية، بخلاف ما ذكر في المذهب الشافعي، فإن لها الحق فيه مطلقا ما لم تكن أسقطته مجانا.

وأما كيفية كتابة عقد الزواج بالنسبة لهذه المسألة، فلا نعلم لها صيغة متبعة، لأن هذه المسألة ليست من الأمور المعهودة في العقود، وإذا كان لبعض الشعوب عادة بفعلها، فإن صيغ عقودهم المتبعة هي ما تعارفوا هم عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني