الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معرفة الله لا تتم إلا بالعقل والقلب معاً

السؤال

سمعت مقولة يقولها عامة الناس إن الله عرفوه بالعقل، وأريد أن أعرف هذه المقولة، وهل الله عرفناه بالعقل، أو القلب؟ وما الفرق بين القلب والعقل؟ وماذا عن هذا وهذا؟
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما مقولة (إن الله عرفوه بالعقل)، فهي صحيحة في الجملة، لأن الله كرم الإنسان بالعقل وجعله مناط التكليف، وهيأ له السبل كي يبحث في الكون بالنظر والتأمل والاستدلال، ومن المعلوم أن الإنسان يستدل على معرفة الله بالعقل والشرع، ولكن تفاصيل المعرفة وما يترتب عليها من تكاليف شرعية لا تثبت إلا بالوحي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط، وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع، وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار كمسائل التوحيد والصفات ومسائل القدر والنبوات والمعاد وغير ذلك، ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط. انتهى. من درء تعارض العقل والنقل.

وقولك: عرفناه بالعقل أو بالقلب: فمعرفة الله سبحانه تكون بالعقل والقلب معاً، فالتفكر في مخلوقات الله يكون بالعقل، ثم ينتقل من دائرة العقل إلى دائرة اليقين بالقلب، وقد قرنت الآيات القرآنية التفكر في خلق السماوات والأرض -وهذا يكون بالعقل- بالتوجه القلبي لذكر الله وعبادته، فقال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191].

قال ابن القيم في الفوائد: الرب تعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته عن طريقين: أحدهما: النظر في مفعولاته، والثاني: التفكر في آياته وتدبرها، فتلك آياته المشهودة، وهذه آياته المسموعة المعقولة. انتهى.

أما الفارق بين العقل والقلب: فالعقل يراد به الغريزة التي بها يعلم الإنسان، وقيل: هو نور في القلب يعرف الحسن والقبيح والحق والباطل، والقلب هو محل العلم والإرادة، قال تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

قال ابن تيمية: إن العقل له تعلق بالدماغ والقلب معاً، حيث يكون مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة والقصد في القلب، فالمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد. انتهى بتصرف.

ولهذا يمكن أن يقال: إن القلب موطن الهداية، والعقل موطن الفكر، ولذا قد يوجد في الناس من فقد عقل الهداية الذي محله القلب واكتسب عقل الفكر الذي محله الدماغ والعكس، فهذا بعض ما قيل في الفرق بين العقل والقلب، وقد قيل غير ذلك، وعلى كل حالٍ فلا ينبغي أن يضيع المرء وقته ويشغل فكره في هذا، لأنه لا طائل من وراء معرفة الفرق بينهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني