الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من الابتداع تخصيص ليلة الجمعة ويومها ببعض العبادات وأي الوالدين يقدم في البر

السؤال

ما حكم من اتخذ عادة المرابطة في المسجد يوم الجمعة من الظهر إلى العصر، ألا يكره هذا، لأمره تعالى لنا بالانتشار إذا قضيت الصلاة من يوم الجمعة، علما بأن زوجته تتضجر من فعله لكونها تريده أن يحضر الغداء معها ومع من يحضر من بناتها والضيوف، وقد جرت العادة على الغداء الجماعي بعد صلاة الجمعة والتزاور، والزوج مصر على فعله بدعوى أن في يوم الجمعة ساعة يستجاب فيها الدعاء، والزوجة لا تعارض أن يرابط زوجها في أي وقت يريده من الأسبوع وإن أراد كل يوم، ألا يكون فعل هذا الرجل بدعة مبتدعة لم يسبقه إليها أحد، وهي تسبب الحرج حتى لبناته عند دعوته يوم الجمعة للغداء فيضطرون لانتظاره حتى العصر، والغريب أنه لا يبكر بعد صلاة الضحى للمسجد، وربما يكون ذلك ساعة الإجابة، أفيدونا بما يمكن إقناع هذا الرجل به إن كان صنيعه خطأ، ووفقكم الله للصلاح.
الشخص نفسه رغم أنه يملك أرضاً فلاحية وماشية إلا أنه لا ينفق على زوجته شيئاً ولا يراضيها أو يطيب خاطرها بهدية أو شيء، كما لا ينفق حتى على ابنته التي لا تزال تدرس في الجامعة بدعوى أن ابنه الأكبر يقوم بهذا، والزوجة مصرة على أن تأخذ منه نفقة ليكون لها اعتبار كزوجة وإن كان ابنتها يكفيها النفقة، السؤال حفظكم الله: هل هذا الرجل محق ولا شيء عليه، وهل الابن ملزم بالنفقة على أمه وأخته رغم ما سبق ذكره، وهل يعتبر الابن عاقاً إذا رفض طلبات أبيه المادية، غير المنقطعة، علماً بأنه هو الذي اشترى له الماشية وأرضاً إضافية لتتسع ملكيته ويكفيه شر مسائلته بعد ذلك، غير أن الأب لم يقنع بعد ولا يزال يطلب المبالغ عند كل مناسبة ملوحا بعصا الطاعة مرهبا مرغبا بأمره تعالى بطاعة الوالدين وطلب رضاهم، وهذا يزيد من سخط الزوجة، وتطلب بدورها ملوحة بوجوب الطاعة لها بعدم منح الأب المزيد من المال خاصة أنه لا ينفق على أهله شيئاً بل حتى على نفسه إذ لا يزال ابنه يقوم بكسوته وتطبيبة إذا مرض، أفيدونا جزاكم الله خيراً، ما هو التصرف الحكيم أمام هذا التجاذب، وأين هي حدود الطاعة في ذلك ومن تجب مرضاته من الوالدين، علماً بأنه أصبح يوجد نوع من الكره والشحناء بين الأبوين والعياذ بالله، وبماذا تنصحون هذين الأبوين وقد تقدم بهم العمر وهم على ما هم عليه، وهل يحق للأم أن تأخذ مما يعطيها ابنها من نفقة وتصرفها على بناتها المتزوجات وتطالب بالمزيد، مشاكل أسرية يتصدع بها بيت، أفتونا فيها وقدموا النصح عسى أن يعود كل لجادة صوابه؟ والله يتولاكم، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن التبكير إلى المسجد يوم الجمعة والمكث فيه إلى أن تؤدى الصلاة له فضل كبير لما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر.

أما المكث في المسجد بعد صلاة الجمعة فلم يرد فيه مزية عن باقي الأيام الأخرى ومن هنا فإن تخصيصه بعبادة دون غيره واعتقاد أن العبادة فيه لها فضل خاص ليس بمشروع لأمرين: أولهما: أن الأصل في العبادة التوقف حتى يدل الدليل على مشروعيتها ولم نقف على آية أو حديث أو حتى قول لأحد من أهل العلم يدعو إلى ذلك.

والثاني: أنه ورد النهي عن تخصيص ليلة الجمعة ويومها ببعض العبادات فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم.

وعلى هذا فإننا ننصح هذا الرجل بالتخلي عن هذه العادة لأنها أقرب إلى البدعة منها إلى العبادة، وليعلم أن ما تحجج به من طلب ساعة الإجابة يوم الجمعة التي ورد فضلها في الأحاديث فهو حجة واهية، وذلك لأن أرجح أقوال أهل العلم أنها بعد العصر ولم يقل أحد من أهل العلم -فيما نعلم- أنها من بعد صلاة الجمعة إلى العصر، كما أن عليه أن يعلم أن مؤانسته لأهله وتطيب خواطرهم بحضور الغداء مثلاً له فيه أجر إن شاء الله تعالى، لأنه يدخل ضمن العشرة الحسنة وفي الحديث: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي وصححه الألباني.

أما بشأن الآية التي وردت في السؤال فالحق أنها وردت لمجرد الإباحة وليست للوجوب، قال القرطبي في قوله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ. هذا أمر إباحة كقوله تعالى: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ.

أما بخصوص الإنفاق على الزوجة والأولاد فهو واجب والتقصير فيه معصية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول. رواه الحاكم وصححه وأحمد وأبو داود وحسنه الألباني، وانظر الفتوى رقم: 19453.

وإن امتنع الزوج عن الإنفاق وكان له مال فللزوجة أن تأخذ من ماله بغير علمه ما تنفق منه على نفسها وولدها بالمعروف، وانظري الفتوى رقم: 19287. وأن أصر على عدم الإنفاق فللزوجة طلب ذلك منه وإلا رفعت أمره للقاضي لإلزامه بذلك.

أما بخصوص كون هذا الرجل ترك الإنفاق على زوجته وبنته لأن ابنه تكفل بذلك عنه، فهذا لا حرج فيه ما دام الابن ملتزماً بهذا الأمر وله في ذلك الأجر، وإن كان ذلك ليس بواجب عليه ما دام هذا الأب عنده ما ينفق به على نفسه وأهل بيته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا كان الأب عاجزا عن النفقة والابن قادراً على الإنفاق عليهم فعليه الإنفاق عليهم.

أما مسألة تعارض طلبات الأبوين الشرعية فهذا أن أمكن الجمع بينها فلا إشكال لأن كلا منهما تجب طاعته وبره قدر المستطاع وإن تعذر الجمع بين طلباتها فطلبات الأم مقدمة على طلبات الأب لأنها الأحق بالطاعة شرعاً، كما بينا في الفتوى رقم: 33419.

هذا وننصح هذين الوالدين بعدم الخلاف ثم بتسهيل برهما على ولدهما وذلك لما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله والدا أعان ولده على بره.

أما مسألة طلب الأم من ولدها مالاً لتصرفه على بناتها فهذا يفصل فيه فإن كان هذا الولد ميسور الحال وطيبة نفسه بذلك فلا حرج فيه له، وإن كان غير ذلك فلا ينبغي لأمه أن تفعل ذلك لأنه قد يتسبب في عقوق هذا الولد لها وعداوته لأخواته وهذان أمران يجب تجنبها.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني