الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

امتاز الإسلام بتشريع خاص

السؤال

هل تأثر النظام السياسي الإسلامي بالنظام العشائري القبائلي الذي كان موجودا في مكة والمدينة أم بالنظام الملكي الذي كان موجودا في دول عرب الشمال ودول الجنوب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الإسلام دين رب العالمين، المنزل من لدن حكيم عليم، وارتضاه للناس أجمعين، قال تعالى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {هود: 1}. وقال سبحانه: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين {النحل:102}. ولما كان هذا شأن هذا الدين فقد امتاز بتشريع خاص به، وهذا التشريع قائم على مبادئ عظيمة، وخصائص عامة، ونحن نذكر هنا شيئا من هذه المبادئ، وشيئا من تلك الخصائص يتضح بها ما ذكرنا. فمن المبادئ التي يقوم عليها النظام الإسلامي: العدل، الذي هو أساس الملك، وقد قرر القرآن الكريم هذا المبدأ في قول الله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ{النساء: 58}. وكثيرا ما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية المقولة المشهورة: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. انتهى. ومنها، الشورى: وقد أكد الله تعالى هذا المبدأ في قوله: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر {آل عمران: 159}. وقوله: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ {الشورى: 38}. وأثر عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم. رواه ابن أبي شيبة. كما أن التشريع الإسلامي يمتاز بخصائص تميزه عن غيره، منها ما يلي: الربانية ونعني بها قصد الحصول على مرضاة الرب سبحانه في جميع تلك التشريعات، قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ {الزمر:2}. ثانيا: الشمولية: ويقصد بها أن تشريع الإسلام يحوي جميع مجالات حياة الإنسان، كما قال سبحانه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ {النحل: 89}. ثالثاً: الوسطية: ونعني بها التوازن والاعتدال، فليس بنظام ديمقراطي في سياسته تسوده الفوضى، ولا رأسمالي في اقتصاده تحكمه الأنانية، ولا هو بنظام شيوعي دكتاتوري يتسلط على الخلق أو اشتراكي ينشر الفقر، بل هو وسط في ذلك كله، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً {البقرة: 143}. رابعاً: الواقعية: فقد سلم هذاالتشريع من إفراط المثاليين الذين لا يوجد لما في أذهانهم تطبيق في عالم الواقع، وسلم من تفريط الواقعيين الذين لا يحكمهم في حياتهم إلا هوى أنفسهم. ومن أدلة واقعية الإسلام القاعدة العامة في قوله سبحانه : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة: 286}. فتلك المبادئ وهذه الخصائص جعلت من الإسلام نموذجاً مستقلاً في نظمه، فلا يقال بأنه استمد شيئاً من تشريعاته من النظام العشائري أو النظام الملكي السائدين في عصر ما قبل الإسلام، وهو في الوقت ذاته لم يتأثر بأي نظام من النظم الوضعية في العالم المعاصر، بل بقي وسيبقى على استقلاليته على مر العصور والأزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وهذا لا يعني جمود الإسلام وعدم قبوله ما لا يتعارض مع مبادئه، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدح حلفاً حضره وشارك فيه في الجاهلية ويقول عنه: شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي به حمر النعم وأني أنكثه. رواه أحمد، وإنما مدحه لأنه قائم على أساس التناصر على الحق وأخذ الحق للمظلوم من الظالم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني